بعد غيابٍ قصيرٍ عن الساحة الفنية، أطلق الفنان الشاب
“ريان” مؤخرًا أغنية
منفردة جديدة بعنوان ” أنا عم خونك” من كلمات
وألحان “هاني عساف” وتوزيع
“كارينا عيد” شكّلت عودةً قوية له. وقد رافق
صدور الأغنية عرض الفيديو كليب
الخاص بها الذي كان قد صوره “ريان” تحت إدارة
المخرج “هاني عساف” في العمل
الإخراجي الثاني له بعد توقيعه كليب أغنية
“أنا” للفنانة “هايا عساف.“.
ولأن كاتب كلمات الأغنية وملحنها هو مخرج الفيديو كليب
نفسه، أتت فكرة الكليب
لتكمل فكرة الأغنية إن لم تكن هي نفسها، فكرة أرادها
“عساف” مميزة وجريئة،
فأتت على مستوى توقعاته. فلربما هذه هي المرة الأولى
التي يعترف فيها الحبيب
بذنبه لحبيبته معلنًا خيانته لها على الملأ
بقوله:”أنا عم خونك!”.
لكن من الواضح أن هذه الفكرة أثارت جدلاً واسعًا في
الأوساط الصحافية. فما إن
بدأ عرضه، حتى انكبت بعض الأقلام على شرح معانيه وأبعاده
وتحليلها بشكلٍ غير
عادي وذلك لاحتوائه رموز نسبتها للديانة المسيحية
بكثرة دون مبرر منطقي لذلك
في رأيها.
ولأنّها أصلاً فكرة عميقة، عجز الكثيرون عن الغوص في
تفاصيلها لفهمها “صح“،
فانكبوا على مهاجمة “ريان” و”عساف”
حتى من دون أن يفهموا معنى الكليب وهدف
استعمال تلك الرموز فيه، لتصل تحليلات البعض، المتسرعة
نوعًا ما، إلى اعتبار
أن “ريان” تعمّد إقحام الدين في عمله الفني
لإثارة بلبلة تساعده على الإنتشار
أكثر، متهمين المخرج “عساف”، بطريقةٍ مباشرة
أو غير مباشرة، بالتطاول على
الديانة المسيحية والتعرض لها. فيا ليت من كتب ما كتب عن
الكليب أجهد نفسه
قليلاً ليعد أبحاث ويجمع معلومات دينية علميّة دقيقة عن
معاني تلك الرموز
وحقيقة نسبها للمسيحية، يمكنه استنادًا إليها نقد الفكرة
وصاحبها قبل الشروع
بإطلاق أحكام سطحية ومتسرعة مبنية على الطريقة التي
فهمها هو. فتأتي مقالتي
هذه إذاً كمحاولة بسيطة مني لتوضيح ذلك لا للدفاع
العشوائي عن فكرة “عساف“.
سأبدأ بفكرة الأغنية والكليب التي تُظهر لنا أن حبيبة
“ريان” خانته عدة مرات
فسامحها، خاصةً عندما رآها ضعيفة وعاجزة وهي
مُلقاة على سرير المرض في
المستشفى. وبعد أن سئم من شعور خيانتها له الذي دفعه إلى
رميها في المياه
لتطهيرها من قذارتها (لكنه سرعان ما عاد وأشفق
عليها فخلّصها)، وصلت به الأمور
إلى خيانتها هو أيضًا (باعتبار أن خيانته لها مبررة)
ولكن بعلاقة طاهرة كللت
حبًّا حقيقيًّا صادقًا جعله يواجه حبه القديم بثقةٍ
وجرأة قائلاً: “أنا عم
خونك“.
من هنا، أتت بعض الرموز لدعم هذه الفكرة. ولكن هل هي
فعلاً رموز خاصة
بالديانة المسيحية؟ وهل هدفت إلى الإساءة إليها؟
الهالة بدايةً، التي ادعى البعض ظهورها فوق رأس
“ريان”، لا تبدو هالة حقيقية،
لأنها لم تكُن موجودة حول رأسه خلال كل الكليب مثلاً
لاعتبارها هالة بمعناها
الحقيقي، إذ كان من الواضح أنها مرآة دائريّة وُجدت في
الخلفيّة وراء “ريان“
فشُبهت بالهالة حول رأسه!
ولكن لا أعرف إن قصد المخرج “عساف” هنا
“استغلال” شكل المرآة الدائري وظهورها
وراء رأس “ريان” بعد أن اعترف بذنب الخيانة
للدلالة أو التلميح إلى الهالة.
فإن فعل، ستكون قد استُعملت كرمز للطهارة باعتقادي، لا
لتشبيهه “بيسوع المسيح“
كما زعم البعض.
وعلى أي حال، فصحيح أن الهالة استُعملت في الفن الديني
المسيحي لإحاطة رأس
“يسوع المسيح” و”مريم” العذراء
والقديسين، لكن اليونان والرومان والبوذيين
استخدموها قبل المسيحية في أعمالهم الفنية.
وقد شوهِدت الهالات قديمًا حول الأبطال في المعارك والحكام
وليس فقط الأشخاص
المقدسة، فقد أحاطت رؤوس عدة آلهة لدى المصريين القدماء
كرع وهاثور وحول
شخصيات أسطورية مثل شيطان البحر والحورية ثتيس في أثار
من جنوب إيطاليا
وعملاق رودس، تمثال إله الشمس هيليوس وغيرهم الكثير…
وإنطلاقًا من ذلك، فإن استعمال الهالة لا يرمز فقط إلى
“شخصيات” الدين
المسيحي، إن جاز التعبير، ولا يُعتبر إهانةً أو تعرضًا
لها.
“المعمول”، الذي يرمز في الكليب إلى علاقة
الحب الطاهرة التي عرفها “ريان“
ببدئه حياةً جديدة، هي نوع من الحلوايات التقليديّة التي
تؤكل وتقدم في جميع
المناسبات وخاصةً في عيد الفصح المجيد لدى المسيحيين كما
هو شائع، لكنها ليست
حكرًا على المسيحيين، فالمُسلمون أيضًا يقومون بإعدادها.
فهل إن اعتاد
المسيحيون منذ القدم وحتى اليوم “تضييفها” في
الفصح، ستصنف أنها حلوى خاصة
بالمسيحية؟ أولا نجدها مثلاً في شتى محلات الحلويات وفي
أي وقت من السنة؟
“المعمول” إذًا ليس رمزًا من رموز المسيحية
كما اعتبره البعض.
والمُلفت في هذا السياق أن المخرج “ياسر
الياسري” أدخل “المعمول” أيضًا في
كليب الفنانة العراقية “شذى حسّون” الجديد لأغنية
“شاعلها” وكان واضح فيه أن
عائلة مُسلمة كانت تُعده (وهذا دليل على أنّه ليس خاصًّا
بالمسيحية)، فلِمَ
لم تتم مهاجمته حتى الآن كما حدث مع المخرج “هاني
عساف”؟
أما بالنسبة لكرسي الإعتراف، فهو يرمز إلى سر التوبة،
أحد أسرار الكنيسة
السبعة، أي المصالحة بين الإنسان وذاته من جهة وبينه
وبين اللّه من جهةٍ
ثانية، وهو يُستعمل أينما وُجدت الحاجة لمنح سر التوبة،
داخل الكنيسة أو
خارجها. أي أن من اعتبر أن إخراج “عساف”
كرسي الإعتراف من الكنيسة لوضعه بين
الحشائش مُهين للسر الذي يمثله مخطئ جدًّا، فهذا جائز في
القداديس
والإحتفالات الكنسية الخارجية. خاصةً أنّه صُور في
الكليب هذا بطريقةٍ
محترمة لائقة وغير مسيئة في رأيي لقُدسية سر التوبة ولو
خارج إطار العمل
الليتورجي، للدلالة على صراحة “ريان” الكاملة
ودخوله بعلاقة صادقة شفّافة مع
اللّه بعد ندمه واعترافه بخطئه طالبًا الغفران، تمامًا
كما يصير المسيحي بعد
نيله سرّ التوبة المقدس في كرسي الإعتراف. والإعتراف
بالخطأ فضيلة في
المسيحيّة. أفليس هذا جوهر هذا السر وعلاقة الإنسان
المسيحي بربّه؟ فأين
الإهانة للدّيانة المسيحيّة في ذلك إذًا؟
أمّا اللّون الأبيض الذي ارتدته حبيبة “ريان”
في الكليب والتّاج الذي وضعته على
رأسها، فلا أعرف كيف اعتبر أحدهم أنّهما يرمزان إلى
السيّدة مريم العذراء؟!
فاللّون الأبيض كما نعلم جميعنا يرمز إلى السّلام
والطّهارة والنّقاء والتاج
يُنسب إلى الملوك، هذا وقد استخدمته العديد من الفنّانات
في الآونة الأخيرة
لتزيين رؤوسهن في إطلالات مميّزة لكن لم تتهم أي منهنّ
بالتلميح إلى العذراء
مريم بذلك مثلاً، فلمَ قد يفعل “عسّاف”؟؟
و”البرشان” أخيرًا، لمن لا يعلم، يبقى خبزًا
عاديًّا ما لم تتمّ مباركته
وتقديسه ليتحوّل بعدها إلى القربان أي جسد المسيح،
فاستعماله كخبز عادي لا
يشكّل تعرّضًا للمسيحيّة. ولكن من قال أصلاً أنّ ما
أكلته الشّابة في نهاية
الكليب قربانة؟ شكلُها وحجمها البعيدان كلّ البعد عن شكل
وحجم القربانة
العاديّة يوحيان (لكي لا أقول يؤكّدان) أنّها كعكة أو
“معمولة”، فعلامَ استندوا
إذًا ليعتبروها قربانة؟
وأخيرًا، بعد كثرة “القيل والقال” بمحاولة
لفهم فكرة الكليب ومعاني الرموز
الدينيّة وصحّة استعمالها فيه أو عدمه، تبقى الكلمة
الفاصلة لمخرج العمل “هاني
عسّاف” وصاحب الأغنية “ريان” لتوضيح كلّ
هذا. ولكنّ الأكيد، في رأيي الخاص، أنّ
ما رأيناه ليس محاولة من أيٍّ منهما للتّطاول على
الدّيانة المسيحيّة لأنّهما
لا يقبلان بذلك أصلاً كما أعتقد، إنّما هو ترجمة
إستثنائيّة لفكرة عميقة فُسّرت
بطريقة مغلوطة. فلِمَ حاولنا المزايدة على إيمانهما
واحترامهما وتقديرهما
للدّيانة المسيحيّة؟ ولم ننظر دائمًا إلى الأمور نظرةً
سلبيّة ونحلّلها وفق
أهوائنا واستنادًا لتصوّراتنا الشّخصية والتي غالبًا ما
تكون متسرّعة وغير
مبنيّة على معلومات علميّة موضوعيّة دقيقية؟