رغم كل الخلافات والحروب والمناكفات التي يعيشها لبنان من حروب طائفية وحروب لاثبات نفوذ ولد الربيع اللبناني على خشبة مسرح قصر المؤتمرات في ضبية فبعدما قدّم الأخوان فريد وماهر صبّاغ مسرحيتين غنائيتين “شي غيفارا” و “من أيام صلاح الدين”. اليوم لا نعرف إن كانت “الطائفة 19” يمكن وصفها بالمسرحية أو بالمشروع أو بالقضية… ربّما هي الثلاثة معاً.
سجن رومية هو المختبر الذي اختاره الأخوان فريد وماهر صباغ لإجراء الفحوص الجينية على 18 شخصاً من أبطال مسرحيتهم الطائفة 19. أمس أفتتحت المسرحية رسميا في قصر المؤتمرات في الضبية، العمل لا يطرح دوافع هؤلاء لارتكاب جرائمهم، لأن المكان ليس سوى نموذج مصغر عن المجتمع اللبناني، المكون من 18 طائفة. المسرحية هي محاولة لتشكيل طائفة جديدة، عقيدتها العيش المشترك ورفض الإرهاب ونبذ العنف وقانونها المساواة.
هكذا، أفتتحت المسرحية فصلها الأول على زنزانة اسمها لبنان، حيث كل سجين منحاز إلى طائفته. وفي حين اختيرت الأدوار الغنائيّة بالدرجة الأولى، فإن اللافت تأدية كل مُمثل دوره الحقيقي وفق طائفته، إذ تعرض المسرحية قصة 18 شخصية نظراً لـ18 طائفة في لبنان، فتطل كل شخصيّة بصدق مُطلق، لاسيما لناحية اللهجة واللفظ وعرض الشخصيّة.
وفي المسرحيّة التي حصدت في عرضها الأول تصفيقاً مطولاً من جمهور تجاوب منذ الّلحظات الاولى مع أجوائها السلسة، نخبة من نجوم لبنان، يوسف الخال بدور النقيب، كارين رميا “صاحبة الصوت الرائع الذي يبرع في تأدية الشرقي والغربي”، نبيل ابو مراد، خالد السيد، نزيه يوسف، أسعد حداد، عبدو شاهين، جسّي عبدو، زاهر القيس، رفيق فخري، الأن العيلي، سبع البعقليني، طارق شاهين، برنار الحاج، ماريا الصبّاغ، وجاين الصبّاغ،الأخوان صباغ شاركا في التمثيل فريد الصباغ لعب دور العقيد فيصل المتمرد على مشروع التقسيم، والثاني ماهر الصباغ جسد دور بن القيادي في المعارضة صاحب النوايا الخفية من أجل إقامة ولاية لطائفة لا دينية. الاثنان تمتعا بموهبة تمثيلية وغنائية جيدة . إلى عشرات الراقصين والمُشتركين. لمسات مصممة الديكور يارا عيسى الخوري بدت جلية في معظم أدوات الديكور المستخدمة في المسرحية فقد ركبت سجنا حديثا بزنزاناته وألوانه وسمحت لعين المشاهد بالتجول في أركان المسرح دون ملل، مما أضاف إلى المسرحية ككل لمعة مشهدية غير مألوفة. ولعل إدارة تحريك الممثلين بإيقاع سريع ومتقن مع الأخذ بعين الاعتبار جمالية الأغاني والموسيقى المرافقة لكل لوحة منها والتي تقاسم أداء غالبيتها بطلا المسرحية يوسف الخال وكارين رميا ساهمت في قولبة المسرحية ضمن إطار استعراضي ذي نص وإخراج جيدين قلما نلاحظهما في أعمال مماثلة حاليا. وقد رسم السينوغرافيا رامي صباغ، والرقصات غريغور كلاشيان، وصممت أزياءها فاتن مشرف، وتولى الهندسة الصوتية شادي سعد، ونفّذ الإضاءة شادي نون.
تدور قصة المسرحية في سجن إصلاحي “سجن رومية” كما تخيله الأخوين صباغ بعد ثلاثين سنة من اليوم. هناك يقبع ثمانية عشر سجينا وسجينة من ثماني عشرة طائفة اختارتهم الدولة بهدف إصلاحهم وإعادتهم إلى المجتمع.
ممول التجربة رجل أعمال يطمح إلى الحصول على مركز سياسي في حال جرى تقسيم لبنان، هذا المخطط الذي اعتاد اللبناني على سماعه منذ اندلاع الحرب عام 1975. أما مسؤولية الأمن في السجن فقد أوكلت إلى فرقة من مغاوير الجيش يقودها نقيب يتميز بحسه الوطني العالي ومحبته وإيمانه بلبنان “يوسف الخال”، دون أن نعرف اسمه أو طائفته طيلة مجريات المسرحية للدلالة على موقفه المتجرد.
وفي لعبة شد حبال بين النقيب والمسؤول السياسي حول كيفية تحقيق طموحاتهما على أرض الواقع، ينجح النقيب بإخفاء عوارض الطائفية على المساجين، بعد استعانته بخبراء أجانب من اليابان الذين زودوا المساجين بدواء خيالي ينشط الخلايا الدماغية المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، فيساعدهم على تقبل الرأي الآخر وبالتالي في التغلب على مشكلة الطائفية.
استغرقت المسرحية نحو الساعتين ولعبت فيها التقنية البصرية دورا اساسيا، إن من خلال استخدام شاشة عملاقة للعودة بمجريات المسرحية إلى أرض الواقع، أو للدلالة على الزمان والمكان اللذين تدور فيهما القصة.
تنتهي المسرحية التي تألفت من جزئين كان فيها الأول أكثر حركة وإيقاعا، والثاني أكثر عمقا من ناحية النص، على مشهد يغلب فيه الأبيض ساهم في إبراز ضخامة الديكور، فوقف الحضور يصفقون إعجابا. واختتم العمل بتخيير السجناء ما بين عودة كل منهم إلى طائفته أو الانضمام إلى الطائفة الجديدة “طائفة اللادينيين التي يقودها بن” أو التمسك بـ”الطائفة 19″، التي ترسي أسسها على تقبل الواحد للآخر والاستشهاد في سبيل تحقيقها. فيختارون الأخيرة من أجل قيام الاستقلال الثاني وإنقاذ الوطن، وذلك ضمن لوحة امتزج فيها الأحمر لون الاستشهادوالأبيض لون السلام.
“الطائفة 19” التي تجمع كل الطوائف في إطار الاحترام المتبادل، قد تكون فكرة من عالم الخيال أو حلما يتمناه جيل الشباب اليوم في لبنان كخشبة خلاص لوطنه أملين ان تتطبق الطائفة 19 حقيقة على الواقع اللبناني فتولد طائفة جديدة بكل معنى الكلمة حيث تستمد قوانينها من قانون الجيش اللبناني بانتمائه الوطني البعيد كل البعد عن أي طائفة ودين ويكون ولاؤها الوحيد للبنان الوطن مع ما فيه من طوائف متعددة حيث ينتمي الافراد لطوائفهم المختلفة إيمانا وولائهم النهائي لوطنهم لبنان.