تحت عنوان “في عصر السوشال ميديا نجوم اليوم هل تخلّوا عن الصّحافة الفنيّة؟”، نظّمت مجلّة “سيدتي” ندوة في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية في بيروت، شارك فيها الممثلة باميلا الكك والإعلاميون رابعة الزيات، د. جمال فياض وروبير فرنجية، بحضور نقيب المحرّرين اللبنانيين جوزيف قصيفي، ومدير الكلية د. هاني صافي، وحشد من الأساتذة والطلاب والصحافيين الذين لبّوا دعوة المجلة لمناقشة وضع الصحافة الفنيّة والتحدّيات التي تطرحها سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفاء بعض الفنانين بمنابرهم الخاصّة واستغنائهم عن وسائل الإعلام.
أدارت الندوة مديرة تحرير “سيدتي” الزميلة كاتيا دبغي، وشهدت نقاشاً حاداً بين باميلا الكك من جهة، والزملاء المشاركين في الندوة، إذ استعرضت الممثّلة تجربتها السلبيّة مع الصّحافة، التي دفعتها إلى إنشاء منبر خاصٍ بها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحمي نفسها من كمّ الأخبار المغلوطة التي تنشر عنها.
في البداية، تحدّثت الزميلة رابعة الزيات، مقدّمة البرامج التلفزيونيّة، فبدت نظرتها أقل تشاؤماً، مؤكّدة من خلال تجربتها، أنّ التلفزيون والسوشال ميديا يكمّلان بعضهما، وأنّها من خلال هذه المواقع تمكّنت من الإضاءة أكثر على برامجها.
وعن الفنانين الذي بات لها منابرهم على “سناب شات” وغيرها من مواقع التواصل، قالت إنّ هذه المواقع لا تغنيهم عن التلفزيون، وإنّ الفنان ينشر يومياته فحسب، بينما تضيء البرامج والمقابلات التلفزيونيّة على مكامن شخصيّته، وهو ما لا يغني عنه ظهوره في فيديوهات يلتقطها لنفسه ويروّجها عبر منابره الخاصّة.
وقالت رابعة إنّ الفنّان لا يزال يحب التلفزيون، وإنّ عملها في البرامج الحواريّة تأثّر إيجاباً بالسوشال ميديا.
ولفتت رابعة إلى أنّ ما تغيّر اليوم بالنسبة إلى عملها كمحاورة، هو مصادر المعلومات، إذ كانت في السابق تلجأ إلى أرشيف الصحافة المطبوعة، بينما اليوم تبحث على الإنترنت والسوشال ميديا، وتأخذ معلومات من الفنان نفسه، كي لا تقع في فخّ المصادر المشبوهة، محذّرة طلاب كليّة الإعلام صحافيّي الغد من الوقوع في فخ “غوغل” المحرّك الذي قد يتضمّن معلومات مشبوهة وعارية من الصحّة.
أما عن دور الصحافة بالنسبة إليها كمقدّمة برامج، فقالت إنّها تعلّق عليه الكثير من الآمال، وإنّ التفاعل على السوشال ميديا لا يلغي أبداً دور الصحافة، وأنّ كل مقدّم برنامج يعلّق أهميّة بالغة على ما يكتبه عنه الصحافيون.
الممثلة باميلا الكك استعرضت تجربتها، وقالت “أخاف من ثلاثة أشياء، الطقس، الناس والصّحافة”، واعتبرت أنّ صحافيي اليوم لا يسألون سوى عن الأمور السطحية، مثل ماذا تحتوي حقيبة الفنانة، بينما لا يسعى أحد منهم إلى سؤاله عمّا تحويه حقيبة رأسها المتخمة بالكثير من الأفكار.
وتساءلت “ما هي آخر مرّة قرأتم فيها مقابلة في مجلّة وخرجتم منها بكلمة مفيدة؟”، مؤكّدة أنّها منذ زمن طويل لم تقرأ مقابلة مهمّة، لأنّ الأسئلة كلّها تدور في إطار سطحي.
وأشارت باميلا إلى أنّها من أكثر الفنانات اللواتي تعرّضن لمضايقات من الصّحافة، وأنّ البعض كان يهاجمها لأسبابٍ شخصيّة، كأن يفوتها الردّ على مكالمة من صحافي لأنّها كانت مشغولة بالتصوير. وقالت إنّ من يهاجمها ليس طارئاً على الصحافة، بل بعضهم عريق في المهنة، لافتة إلى قضيّة العناوين المضلّلة، حيث يكتب الصّحافي عنواناً لا علاقة له بالخبر لجذب القراء، وقالت إنّ الصحافي يعترف بهذا الأمر وبأنّه يبحث عن قراء على حساب أذيّة الفنان، لأنّ بعض العناوين تكون مؤذية للغاية.
وأشارت باميلا إلى أنّ منبرها يكفيها، ومن خلاله تنشر أخبارها وتضمن ألا يتمّ تحويرها.
الزميل روبير فرنجية دخل في نقاشٍ مع باميلا، موضحاً أنّ نظرتها سلبيّة ويشوبها التعميم، وأنّ ثمّة أسماء صحفية يشهد لها بنزاهتها وكفاءتها، فأوضحت أنّها لم تكن تعمّم، إنّما كانت تتحدّث عن تجربتها الخاصّة.
كما أشار فرنجية إلى أنّ باميلا كانت من أكثر الفنانات اللواتي كتب عنها مقالات تشيد بموهبتها، وأنّ تجربتها السلبيّة مع بعض الصحافيين لا تنفي أنّها نالت الكثير من الدعم وكتب بحقها الكثير من المقالات والآراء الإيجابية.
وقال فرنجية إنّ ما يلحظه اليوم في الصحافيين أنّهم يرفضون مبدأ التدرّج، ويرغبون فوراً في محاورة النجوم، مشيراً إلى أنّه لاحظ أنّ الكثير من الخريجين الجدد لا يملكون شغف المهنة.
الزميل الدكتور جمال فياض، صاحب الباع الطويل في مجال النقد الفنّي، والذي عاصر الصّحافة الفنية في أوجّها، ويعاصرها في زمن انحسارها، قال إنّ لكل زمن أدواته، وما حصل اليوم هو تبدّل أدوات الصحافة، من صحافة ورقية إلى مواقع إلكترونيّة. وقال إنّ الصحافي كان يكتب مقالاً من ألفي كلمة، اليوم لا يتعدّى المقال الـ600 كلمة، لأنّ القارىء لم يعد يملك الجلد لقراءة مقالات طويلة.
وأفاد فياض إلى أنّ الفنان لا يستطيع أن يستغني عن الصحافة ويكتفي بمنابره على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، مؤكّداً أنّ الفنانين لا زالوا يتّصلون بالصحافي ليطلبوا منه أن يدلي برأيه بأعمالهم الفنية.
وأكّد فياض أنّ الصحافة الخبريّة انحسر دورها، لأنّ الفنان بات يعلن عن أخباره بنفسه، وأشار إلى أنّ ثمّة فنانين ابتعدوا عن السوشال ميديا مثل كاظم الساهر وعمرو دياب، ولا زالوا يعتمدون سياسة تسريب أخبارهم لصحافيين، وغالباً يختارون إسماً بعينه لتسريب الخبر.
فياض قال إنّ ما تبقّى من الصحافة الفنية هي الصحافة النقدية، وقال إنّ القارىء يهتم بقراء المقالات النقديّة التي تتناول الأعمال الفنيّة بطريقة محترفة، وأشار إلى أنّه تعمّق في الموسيقى ودرسها ليس لأنّه يرغب في الغناء، بل ليمتلك أدوات تمكّنه من النقد بطريقة علميّة سليمة.
وأشار إلى أنّ بعض الصحافيين يلعبون دوراً أشبه ما يكون بدور الفانز، محذّراً الطلاب من هذا الدور، ومن أن يكون هدف من يرغب منهم باحتراف الصحافة الفنيّة نسج علاقات صداقة وصور سيلفي، مؤكّداً أنّ دور الصحافة أكبر بكثير، ومهمّته أن يساءل الفنان متسلّحاً بثقافته ومعلوماته.
وأكّد فياض أنّ دور الصحافة الفنيّة لم ينتهِ، وأنّ الحسابات النقدية التي تحظى بالكثير من المتابعين ويديرها أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة، هي نوع من الترفيه الذي لا يلغي دور الصّحافة الجّادة.
بدوره، تحدّث نقيب المحررين جوزيف قصيفي عن الإعلام الإلكتروني، وقال إنّه بحاجة إلى تنظيم، وإنّ قوانين المطبوعات لا تشمله، لأنّها لم تحدّث منذ وقت طويل.
ودعا إلى تحديث القوانين بما يضمن تقنين عمل الصحافة الإلكترونية، ما يسمح بالحفاظ على مستوى المهنة ويضمن فرصاً أكبر للخريجين. مؤكداً أنّ أشكال الصحافة تغيّرت من ورقي إلى إلكتروني، لكن ما تبقّى هو الصحافي نفسه.
وحضر الفنان فادي أندراوس في نهاية الندوة، متحدّثاً عن تجربته، وقال إنّه كان بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أنّه أصيب بمرضٍ فأعلن عنه عبر اليوتيوب، ليفاجىء بحجم المواقع التي نقلت الخبر.
وأشار إلى أنّه لا غنى للفنان عن الصحافة ولا عن مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهدت الندوة حواراً بين المشاركين والطلاب، دارت حول مستقبل الصحافة الفنية، والتحدّيات التي يفرضها وجود المتعدّين على المهنة، والمستقبل الذي ينتظر الطلاب الخرّيجين، وقد وجّه الزملاء المشاركون النصائح للطلاب، وأكّدوا على ضرورة أن يتبع الصحافيون شغفهم، لأنّ العمل الصحفي ما لم يقترن بالشغف، لا يؤدّي بالصحافي إلى أي مكان.
وقد أثنى الحضور من إعلاميين وطلاب على موضوع النقاش، الذي طرحته “سيدتي” والذي أضاء على واقع الصحافة الفنية انطلاقاً من خبرات إعلاميين عايشوا الصحافة في مختلف مراحلها من زمن الصحافة الورقية إلى عصر الإعلام الإلكتروني وتحديات السوشال ميديا.