رغم كل الأماني والأحلام التي منّى بها القائمون على مهرجان “كان” السينمائي أنفسهم، ظنا بأن جائحة كورونا -التي اجتاحت العالم- سرعان ما ستتراجع، وتعود الحياة إلى طبيعتها من دون أن يؤثر ذلك على مستقبل دورة 2020 من المهرجان، فإنهم اضطروا مؤخرا لاتخاذ قرار بالإلغاء.
وهو القرار نفسه الذي امتثل له -على مضض- كثيرون غيرهم من المسؤولين عن المهرجانات ومختلف القطاعات التي يجمعها، كونها ذات فاعليات وأنشطة تتطلب تواجد حشود كبيرة من الجماهير المتلاحمة، كالمتاحف والمسارح ودور العرض وما شابه ذلك.
ويبدو أن اتخاذ القرار كان صعبا على أصحابه، للدرجة التي جعلتهم يحسمون أمرهم بعد فترة طويلة نسبيا، على عكس آخرين حددوا موقفهم بوضوح منذ بداية الجائحة.
بدأ الأمر في 15 مارس/آذار الماضي، حين أعلن رسميا الالتزام بالعزلة المنزلية الإجبارية في فرنسا، وهو ما اضطر منظمو مهرجان “كان” لتأجيل الدورة 73، التي كان من المقرر أن تقام بين 12 و23 مايو/أيار الماضي، على أن يؤجل المهرجان لنهاية يونيو/حزيران الجاري، أو بداية يوليو/تموز المقبل، وتقديمه بصورته المعهودة.
The Cannes film festival will not take place as planned due to the #CoronavirusOutbreak
All the latest 👇https://t.co/nTMxdGFZ1r pic.twitter.com/hIAhXko9qd
— The Telegraph (@Telegraph) March 19, 2020
وأمام زيادة الوضع سوءا، وإغلاق الطيران، والإجراءات الاحترازية الصارمة التي اتخذتها معظم الدول الأوروبية، بحث المنظمون عن طرق مختلفة تمكنهم من تقديم الفاعليات المعتادة مع الحفاظ على روح المهرجان، ومن دون التسبب في أي أضرار أو عواقب غير مستحبة.
ومع أن البعض راودته فكرة اللجوء للحل الذي اعتمدته بعض المهرجانات الأخرى -مثل مهرجان “قابس سينما فن” في تونس، ومهرجان “رؤية الواقع” الدولي في سويسرا- وهو تنظيم دورتهم عبر منصات ومواقع إلكترونية تتيح لهم عرض الأفلام المنافسة عبر الإنترنت، فإن المندوب العام للمهرجان تييري فريمو رفض تماما فكرة العرض الافتراضي للأعمال المشاركة.
وعلق فريمو بأن الفكرة لا تليق بتاريخ مهرجان “كان” الثري والملهم، ولا بأهميته ضمن محافل السينما الدولية، قبل أن يستطرد مستنكرا “كيف للمهرجان أن يخلو من تواجد أشهر النجوم والنقاد؟ أو كيف يمكن مشاهدة أفلام ويس أندرسون، وآخر أعمال بيكسار على شاشة كمبيوتر؟”
وأكدا أن عرض الأفلام إذا تأجل فهذا لا يعني سوى ترحيله لوقت لاحق، على أن تتم مشاهدة الأعمال في نهاية الأمر عبر شاشات العرض العملاقة، التي اعتادها الجمهور، ووجد فيها ضالته ومتعته.
سوق الأفلام
غير أن بقاء الحال على ما هي عليه جعل إدارة المهرجان تقرر البحث بين الفعاليات التي طالما كانت موازية للمهرجان، على أمل العثور على وسيلة مناسبة للتواجد من خلال أي منها بشكل أو بآخر، وذلك للحفاظ على اسم المهرجان قائما هذا العام.
وهكذا وقع الاختيار على (Marché du Film) الذي تغيرت صيغته للمرة الأولى ليُقدم عبر الإنترنت، وهو عبارة عن سوق للأفلام الهدف من إنشائها دعم صناعة السينما الدولية، خاصة أنه بمثابة أكبر تجمع دولي لمحترفي الأفلام، وقد تقرر عقده في الفترة بين 22 و26 يونيو/حزيران الجاري.
كذلك اتخذت إدارة المهرجان قرارا بالكشف عن الأفلام الرسمية في القائمة المختارة للدورة 73، التي بلغ عددها 56 فيلما من إجمالي2067 مشاركة.
وجاءت هذه الخطوة لتسليط الضوء على تلك الأفلام من جهة، ومن جهة أخرى لمنحهم شعار “كان 2020″، الذي يمكنهم استخدامه مستقبلا سواء على شاشات العرض أو في المهرجانات الأخرى، كمهرجان تورنتو السينمائي الدولي ومهرجان نيويورك السينمائي المقرر عقدهما في سبتمبر/أيلول المقبل، إذ يأمل أصحابها ألا تلغى.
From 22-26 June, the Marché du Film Online will recreate the market experience in Cannes!
.
🤝Virtual booths
📽️Online screenings
🌍Virtual pavilions
💡Programs & Conferences
⌚️Speed Meetings
👀Video meetings
.
Registration will open soon ▶️https://t.co/g9oKrJEYup pic.twitter.com/ja4oCmQaER— Marché du Film (@mdf_cannes) May 6, 2020
تواجد عربي ملفت
من بين الأفلام التي كشف عن انضمامها للاختيارات الرسمية، الفيلم المصري “سعاد” للمخرجة أيتن أمين، وهو إنتاج مصري-تونسي مشترك، قام به كل من محمد حفظي وسامح عواد ومارك لطفي ودرا بوشوشة.
كذلك أعلن عن تواجد عربي آخر تمثل في الفيلم اللبناني “مفاتيح مكسورة” الذي أخرجه جيمي كيروز، وأسندت بطولته لعادل كرم وسارة أبي كنعان.
اما السينما العالمية فشاركت من خلال أفلام عديدة، أشهرها فيلم (The French Dispatch) للمخرج ويس أندرسون، وفيلم (Ammonite) للمخرجة فرانسيس لي، وفيلم (Summer of ’85) للمخرج فرانسوا أوزون، وفيلم (Soul) لبيكسار.
لا للعنصرية
وفي ظل الأجواء الحالية التي تنادي بالتصدي للعنصرية، والدعوة لإنهاء التمييز المجتمعي، كان من الجيد معرفة أن 16 فيلما من المختارين أخرجوا من قبل نساء -بزيادة فيلمين عن دورة عام 2019- وهو ما يصب في صالح المهرجان الذي طالما تعرض للانتقادات لعدم اختيار الكثير من الأفلام التي تخرجها نساء.
من بين الأفلام أيضا 15 فيلما هي أول ظهور لمخرجيها، وهي نقطة أخرى تحسب للمهرجان كمؤسسة تقدم الدعم للوافدين الجدد، وترعى مواهبهم، أما الخطوة الموفقة الأكبر، والتي تناسب مناهضة العنصرية، فهي اختيار المخرج سبايك لي لرئاسة المهرجان.
ومعروف عن سبايك لي الدفاع عن حقوق السود، وهو ما يتضح في أفلامه مثل “مالكولم إكس” (Malcolm X)، ورغم إلغاء دورة المهرجان الحالية، فإن سبايك لي أعلن استعداده لتقلد المنصب ذاته كرئيس للجنة التحكيم في 2021 بدل هذا العام.