أكد تقرير اقتصادي اعده اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً بعنوان ( تداعيات أزمة كورونا على القطاع الخاص الخليجي ) أنه مع تفشي وباء كورونا تعرضت دول مجلس التعاون، كغيرها من بلدان العالم، إلى اضطراب اقتصادي من خلال صدمات العرض والطلب المتزامنة، مما فاقم من الآثار السلبية هو هبوط أسعار النفط بأكثر من 60% خاصة بعد عدم اتفاق اوبك بلس على تخفيض الإنتاج في بداية الأزمة.
تسببت الجائحة في حدوث اضطرابات وخسائر كبيرة في التجارة، بالمقابل كانت استجابة دول التعاون سريعة وشاملة لمواجهة الأزمة فقد اتخذت إجراءات لحماية الأرواح واحتواء انتشار الفيروس ودعم القطاعات المتضررة بشدة وبادرت في زيادة الانفاق على التدابير الاحترازية المتعلقة بالصحة ومواجهة الوباء.
وأوضح التقرير الذي يدرس يقيم الوضع الراهن للازمة أن البنوك المركزية قدمت دعما مباشرا، حيث تم الإعلان عن تدابير لدعم السيولة بمتوسط قدره 3.4% من إجمالي الناتج المحلي ، وتم تيسير موقف السياسة النقدية في أنحاء المنطقة، مع استخدام سعر الصرف كهامش أمان حسبما يكون ملائما. وبلغت قيمة الحزم الاقتصادية الموجهة للتصدي لتفشي الوباء بنحو 100 مليار دولار.
توقع التقرير وفقا لمؤشرات دولية أن يكون الأثر الاقتصادي لتفشي وباء كورونا كبير على اقتصاديات دول التعاون، حيث ستشهد انكماشا بنسبة 2.7% في العام 2020م، وهو ما يعني خسارة نحو 425 مليار دولار من الناتج الكلي للمنطقة، لكن ذلك يعتمد بالطبع على مدة استمرار تفشي الوباء في دول المنطقة، والخطط الانعاشية التي سوف تتولى تطبيقها بعد انحسار الوباء وكذلك مستويات أسعار النفط.
وشددت التقريرعلى أن القطاع الخاص يلعب دور اساسي في التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي الخليجي، وقد قام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بالكثير من الدراسات التي سلطت الضوء على هذا الدور والتحديات التي يواجهها ما قبل أزمة كورونا.
واشار أن الاقتصاد الخليجي وخاصة خلال السنوات الماضية بعد تراجع أسعار النفط بات يعتم بصورة متزايدة على القطاعات غير النفطية كمحرك للنمو، حيث يبغ متوسط مساهمتها في الناتج الإجمالي نحو 73.6% عام 2018م، وهي تعكس نجاح خطط الحكومات الخليجية في برامج التنويع الاقتصادي والمشاركة المتزايدة للقطاع الخص في التنمية.
وكشف التقرير أن انتشار الفيروس سيترك اثار سلبية على القطاع الخاص في الخليج، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة فقد بات اغلب فئات هذه المؤسسات الحلقة الأضعف في مواجهة تداعيات تفشي الفيروس، موضحاً أن أزمة تفشي كورونا سيكون لها أثارها العميقة بعيدة المدى على الاقتصاد الخليجي، والقطاع الخاص ، الأمر الذي يفرض على القطاع الخاص ضرورة الاستعداد لمواجهة تلك الآثار وتحويلها إلى فرص لمواصلة أداء دوره الاقتصادي.
وأضاف التقرير انه بحكم اعتماد القطاع الخاص الخليجي خاصة الصناعات التحويلية وصناعات الأغذية والاسمنت وغيرها على الأسواق الخارجية، فأن تباطؤ الاقتصاديات الدولية والتجارة العالمية سيؤثر بصورة مباشرة على أنشطة القطاع الخاص سواء في جانب الصادرات أو الواردات، وسيتفاوت هذا التأثير على حجم تأثر عملاء الشركات الخليجية سواء المصدرة أو المستوردة، ، ولكن هناك بعض الانشطة قد تستفيد من تغيرات نماذج العرض والطلب العالمية الخاصة بالمعاملات السلعية والخدمية.
ووفقا للتقرير فان الصناعات التحويلية تساهم في الوقت الحاضر بنسبة 11في المائة في الناتج المحلي الاجمالي الخليجي، كما ان لدى دول الخليج خططا لرفع هذه النسبة 25في المائة بحلول عام 2030م.
واوضح إن قطاع الصناعات التحويلية مثل صناعات الأغذية والإسمنت والصناعات البلاستيكية والإنشاءات يتكون معظمه من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي توجه منتجاتها للأسواق المحلية والخليجية بالدرجة الأولى ، مشيراً إلى أن مثل هذه المؤسسات ستظل أقل عرضة لتداعيات كورونا في المدى المتوسط ن بحكم اعتمادها على أسواق محلية وخليجية، لكن في المدى القريب فأنها ستكون عرضة للتداعيات بصورة حادة نتيجة توقف عجلة الإنتاج وبالتالي انهيار التدفق النقدي شبه اليومي الذي تعتمد عليه هذه المؤسسات مما يفاقم قضية دفع الأجور والكهرباء والمصاريف التشغيلية، علاوة على كون هذه المؤسسات تعتمد بالدرجة الأساس على العمالة الأجنبية التي لا يستبعد أن تعيد دول المجلس في أوضاعها بصورة جذرية على ضوء تداعيات كورونا وتفشي الوباء في وسط فئات واسعة منها.
وتطرق التقرير لتأثير تداعيات كورونا في حجم العلاقة التجارية بين دول الخليج مع الصين، مشيرة إلى ان التبادل التجاري بين الجانبين بلغ 173 مليار دولار في العام 2018م، منها نحو 97 مليارا صادرات سلعية خليجية للصين ، حيث تشكل الصادرات النفطية نسبة 81في المائة من إجمالي الصادرات السلعية للعالم في العام ذاته- بينما بلغت الواردات السلعية للدول الخليجية من الصين نحو 75 مليار دولار، كما ترتبط الصين بالعديد من العلاقات الخاصة بالشركات والاستثمارات في مجال النفط والغاز الطبيعي، وهناك العديد من المشروعات الكبرى التي ارتبطت بها الصين أخيرا مع الدول الخليجية ، وعلى رأسها مشروعات رؤية 2030 في السعودية، فضلا عن أن مشروعات طريق الحرير كانت تستهدف الوجود في كل دول الخليج عبر مشروعات للاستثمار المشترك ، واوضحت الدارسة ان حجم الاستثمارات الصينية في الخليجية تقدر بنحو 100 مليار دولار أمريكي.
وتطرق التقرير لتأثير الفيروس على المصارف الخليجية في عدة مستويات منها زيادة العملاء المتعثرين وانخفاض الأرباح وعدم اليقين بشأن السياسيات النقدية والمالية القادمة للتعامل مع الوباء محليا وعالميا وضغوط من اسواق ودائع ما بين المصارف وربما ارتفاع تكلفة هذه الودائع، ولفت إلى ان حجم التأثير يتفاوت استنادا إلى حجم المصرف ورأسماله، والقطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تتركز فيها محافظ استثماراته وتمويلاته ، وإذا كان للمصرف تواجد جغرافي متنوع في بلدان أخرى وحجم تأثر هذه البلدان بفايروس كورونا.
كما تناولت التقرير تأثير الفيروس على قطاع الأمن الغذائي في دول الخليج حيث يواجه تحدي حقيقي وخطير بسبب الاعتماد بنسبة 90في المائة على استيراد حاجياتها الغذائية من الخارج، وقد لوحظ بالفعل خلال بعض دورات تفشي الوباء النقص في اسواق الخضروات والفواكه والأغذية أما بسبب اختلال سلسلة التوريد أو بسبب المضاربات وجشع بعض التجار.
وتناول التقرير تأثير الفيروس على قطاع الخدمات والرعاية الصحية ، مشيرة إلى أنه ما قبل أزمة كورونا، كانت التوقعات تشير إلى أن يصل الإنفاق على الرعاية الصحية بمعدل سنوي نسبته 6.6 في المائة – أي أسرع من المتوسط العالمي – اما مع بدء انتشار الفيروس فيعتبر قطاع الرعاية الصحية هو القطاع المستفيد بارتفاع ايراداته. لذلك، فأن التوقع هو تحسن الأداء المالي لقطاع الرعاية الصحية
وتطرق التقرير ايضا لتأثير فيروس كورونا على قطاع الطيران الخليجي و التجارة الالكترونية و الأمن الغذائي الخليجي و الخدمات اللوجستية وقطاع التجزئة والعقارات والتطوير العقاري .
كما أوصى التقرير في ختامه بضرورة إيجاد آلية تنسيقية بين القطاعين العام والخاص في الخليج للرصد والمتابعة لتقييم تداعيات تفشي فيروس كورونا على نشاط القطاع الخاص الخليجي
وأوضح ان الآلية المقترحة تهدف الى تحقيق ثلاث غايات تتمثل في العمل على مراجعة الإجراءات والخطوات المتخذة لدعم منشآت القطاع الخاص بصورة مستمرة تحديثها وفقا لمراحل انتشار الفيروس وتداعياته، بالإضافة إلى تقديم التوصيات الخاصة بالعمل على توسيع رقعة الفئات المشمولة بالدعم في القطاع الخاص كأصحاب المهن اليومية من مزارعين وصيادي وبائعي الأسماك والخضروات والفواكه والبرادات وأصحاب المهن الحرة ‘ إلى جانب وضع مقترحات لمرحلة الخروج من مكافحة الفايروس إلى مرحلة الانعاش لمنشآت القطاع الخاص الخليجي بحيث تتنوع الإجراءات وفقا لنوع النشاط وحجم المنشأة.
من بين التوصيات التي قدمها التقرير أعداد برامج إنقاذ للشركات الأكثر تضررا ، دعم سلسلة التوريد والامداد التي تتعامل معها شركات القطاع الخاص في تأمين احتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات لضمان تقليل الاختلالات الناجمة عن تفشي الوباء عالميا.