لأن إرادة الحياة أقوى من أي شيء ولأن لبنان سيبقى دائماً عنواناً للثقافة وللفنون والفرح، حرصت لجنة مهرجانات البترون الدولية على أن يكون ختام برنامجها لهذا العام رسالة سلام وحب وحياة تجمع كل اللبنانيين على صوت “غيثارة السماء”، السيدة ماجدة الرومي التي أطلت من على المسرح البتروني في حفلة للتاريخ.
دخلت السفير ماجدة الرومي المسرح الذي اكتظ بأكثر من أربعة آلاف وخمس مئة شخص بفستانها الأبيض وقبل ان يصدح صوتها بأروع الأغنيات، كانت كلمة لها من القلب للجمهور قالت فيها: “من بداياتي ولحد اليوم هو الصوت الذي قال لي: كل أمةٍ تنقسم على ذاتها تخرب من يوم ما رسم طريقي بين عم بحلمك يا حلم يا لبنان لسعيد عقل والياس الرحباني، وعودة الابن الضال ليوسف شاهين، وطوبى للساعين الى السلام فانهم ابناء الله يدعون لزياد الرحباني، وجدت نفسي أعاهد نفسي انه طالما ما زال لدي صوت، سأكون صوتا مجندا” للدفاع عن حق لبنان في الحرية والاستقلال، عن حق الناس في السلام، ومثلما أنا اليوم في البترون وبالأمس في البحرين وقبلها في تونس وقبلها مئات الحفلات التي أقمتها في كل مكان، أنا رسالة واضحة للذي يحب ان يقرأني، اذا أراد أن يقرأ. وكنت أتمنى على الذي اجتهد وبكل السبل الممكنة، ليجتزئ جملة من كلام كان وقته دقيقة ونصف حتى يمكن يشفي سلبيته لسبب، الله وحده يعرف ما هو، كنت أتمنى عليهم لو ركزوا على الايجابيات التي كانت خلال المؤتمر الصحافي قبل أن أدخل على الحفلة وخلال هذه الحفلة. لو ركزوا على الحوار الذي دعوت اليه أو على الدعوة لتوحيد الصفوف في وجه الخطر الذي يواجه العالم العربي بأسره، أو على ان الفنان يجب أن يكون دوره موحداً للقلوب عندما تفرق السياسة، لكن هذه الايجابية ليست مطلوبة لهم، مع انه مع هذه الايجابية وايجابيات اخرى نستطيع أن نحل مشاكلنا، وكان يمكننا مع الاعلام، أن نصنع قوة خير للرأي العام تساعدنا أن نرد ولو مرة واحدة الخطر الذي يقف على أبوابنا، وننشىء وطنا” حقيقيا” يليق بدم الشهداء الذين سقطوا من بداية الحرب اللبنانية مرورا” بالرويس وبطرابلس”.
وأضافت: “أنا اليوم لا أسأل لماذا لم تعطوني فرصة حتى أدافع عن نفسي وأنا وراء عمر كانت فيه رسالتي رسالة خير، لن أسال حتى هذا السؤال، أنا بقدر ما أشكر الناس الذين وقفوا معي في خلال هذا الاسبوع، أشكرهم وأقول لهم بعدا الدني خير من خلالكم، أشكر أيضا” الذين هاجموني جميعا”، من كل قلبي، لان القسوة علمتني أن الرحمة جميلة، ولكن لو أنا تكلمت وقصدت أن أرفع صوتي في هذا الموضوع بالذات وفي هذه الليلة بالذات التي فيها الموضوع ثانوي، لو رفعت صوتي لأسألهم باسم ربنا الذين يقولون انهم يحبوه، باسم لبنان الذين يقولون ان لديهم تجاهه من الوطنية الكافية، باسم الحق والضمير والخير والجمال، باسم معاناتنا في هذا البلد، باسم أرزاقنا وأعمارنا وأعراضنا التي هي على كف عفريت، أن تركزوا على الايجابيات اذا كنا فعلا” نريد أن نبني وطنا”، والا لا يسأل أحد لما نحن بكل هذا التشرذم الذي نحن فيه”.
وتوجهت بالتحية باسمها وباسم الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو ايلي العليا الى كل الحضور، وشكرتهم على حضورهم بهذه الكثافة، وقالت: “لقد كبر قلبي بحضوركم المميز هذا، وأنا قلت بالأمس لو كنا خمسة الاف أو خمسين أو خمسة أشخاص، سأقيم الحفلة مهما كان، لاني أردت أن أوجه تحية من القلب الى جميع الشهداء الذين سقطوا أمس في طرابلس وقبلها في الرويس وإلى شهداء الجيش وإلى جميع الشهداء الذين سقطوا في لبنان منذ بداية الحرب وصولا” الى جميع الشهداء في العالم العربي، لان ما يحصل لا أحد يستطيع تحمله اذا كان لديه ذرة من الانسانية، وأقول لهؤلاء الشهداء، نحن لسنا بفرحين اليوم، فكل الحزن في داخلنا، ولكن اذا وسعنا مكانا” للامل وللفرح اليوم، فقط لان الحياة يجب أن تستمر، والا يكونون قد ألغوننا جميعا”. لا اعتقد ان الشهداء يرضون في قبورهم أن يموتوا هم لننتهي نحن، فعلى الأقل الذي يستمر في الحياة ولم يمت برصاصة أو بتفجير، أن يستمر حاملا” الامانة، واذا وقع فليسلم المشعل للذي يليه، حتى يصل لبنان الى شط الأمان، وأن يصل العالم العربي كله الى الحرية والاستقلال لجميع شعوبه”.
بعدها، بدأت حفلتها واستهلتها بأغنية “تحية الشهيد” بتأثر كبير ومطلعها يقول “من هالساحة عم ناديكم ويغمر صوتي سهول جبال، دق بواب السما حييكم، ننساكم نحنا مين قال، حتى الوفا ما بيكافيكن، ما بتتكافوا يا ابطال، الليلة كلمة رح اهديكم، رحتوا بس تركتوا رجال”.
وتتالت بعدها أروع أغنيات ريبيرتوارها الفني الغني عن التعريف. فكما غنت الشهيد، غنت الحب والوطن والانسانية. وكان لافتاً جداً تفاعل الجمهور الكبير معها لدرجة ان الخمسة الاف شخص كانوا صوتاً واحداً ويداً واحدةً يغنون يرقصون يصفقون وينادونها بعبارات الحب والاحترام. وحتى لو الماجدة أو كورسها توقفوا لبرهة عن الغناء، كان الجمهور يكمل دون توقف أو تعب مما جعلها تتأثر كثيراً بمحبتهم!
أما اغنية “كلمات” فشكّلت حالة خاصة، إذ تسابق الحاضرون على غنائها مع الماجدة، ونزولاً عند الهتافات الكثيرة والتصفيق الحار لبت الماجدة النداء وأعادت غنائها مرتين. وقد تدفقت روح الوطنية والإنساية حين غنت ماجدة “يا بيروت” و “سيدي الرئيس” وسادت المحبةً والايمان حين رنّمت “يا نبع المحبي” باحساسها الرائع، فصدح صوتها من ميناء البترون الى حدود السماء في ليلة اختلطت فيها جميع المشاعر الراقية.
وفي نهاية هذا الحفل الأسطوري طلبت الماجدة من الجمهور الوقوف دقيقة صمت عن راحة نفس الشهداء الذين قضوا في الرويس وطرابلس، فعم السكون المكان! ليعتلي بعدها المسرح فرقة زفة وخيالة يحملون جميعهم العلم اللبناني، وختمت الماجدة حفلها بغناء النشيد الوطني اللبناني وأعادت غنائه مرتين طالبةً من الجميع ان يغنيه معها.