فليسحموا لنا وسط هذه الضوضاء، أن نستذكر المبدين الراحلين، عل ذكراهم طيبة في أذهاننا عبر الصور التي حفروها في أذهاننا! خفت ضوء المسرح، أُسدِلت الستارة، همدت وإستراحت الأيادي من التصفيق، في حين كانتا المخيلة والذاكرة تُسجلان لحظات النشوة الفنية، وتستعيدان أجمل اللحظات الإستعراضية والتي رافقها أداءٌ فيه من الإبداع والشغف الكثير، ولكن من الفرح… العدم!
ثماني عُقودٍ مرت تقريبا، ولا تزال هي في الصور، والأسطوانات والتواقيع، نجمة كل الحقبات! ومن كان يعلم أن عمرها الفني طويل الأمد إلى هذه الدرجة؟!
ها نحن نستذكر اليوم تاريخ ميلاد الفنانة المبدعة داليدا والتي رحلت مستاءة من بهرجة الأضواء والنجومية التي أرهقتها، فآزرتها حتى اللحظات الأخيرة… إلى الرمق الأخير! خمسمائة أغنية بلهجات متعددة بين العربية، الفرنسية والإيطالية وغيرها، أغنت بها المكتبة الموسيقية العالمية، لا بل شكلت بصمة لا مثيل لها في عالم الفن المعاصر، فهي من قُدر لها أن تعيش “العولمة” قبل حلول أوانها من خلال شهرتها التي تخطت حدود القارة الإفريقية أو الأوروبية لتشمل مختلف أقطار العالم!
“سامحوني الحياة لم تعد تُحتمل” كانت آخر رسالة كتبتها وكأنها تعتذر مسبقا عن أترابها وزميلاتها اللواتي لم يكن على يقين بأنهن سوف يقلبن الموازين والمعادلة، ليُصبح الفن الإستعراضي الذي كرست له حياتها، مسرح إبتذالٍ! فلم لا يتذكر أحد هذه الفنانة – الرمز والتي لطالما إرتبط إسمها بالأسطورة الفنية والتي إنهالت عليها الألقاب والتي لم تَفِها وتُخلص لأعمالها المُتكاملة!
هي بنت النيل والتي حملت في جعبتها طيبة أهل الصعيد، إنفتاح أهل البندقية وكتمان أسرار الأنهر والتي تبوح بها مع حلول الظلام… ولكن ما لبث هذا الظلام أن يحل، فقد طال، وطال معه الغياب! فمن أراد زيارتك يقصد Cimetiere de Montmartre فيشهد لروعة وهول الإبداع المتجسد بتثمالك المرمري والذي يبقى حتى الفناء رمزا يُذكر بك!