منذ عام في مثل هذا اليوم في 11 تشرين الأول /أوكتوبر توقف قلبٌ صافي عن الخفقان، قلبٌ كبير الذي اعطى لبنان هويته الفنية، واسس لنهضة ما كانت لتحصل على صعيد الاغنية اللبنانية لو لم يكن وديع الصافي موجوداً ، صوتٌ من جبال لبنان الشامخة، ومن جذور ارزه، الى حد بعيد جسّد الصافي الوطن، الوطن الذي يحلم به ابناؤه، الوطن الكبير بفنه وثقافته وتراثه.
في مثل هذا اليوم رحل عظيمٌ من بلادي وفقد لبنان أرزة من أرزاته الفنية الثلاث في مثل هذا اليوم ودعنا على الارض ليستقبلنا في السماء حيث هو جالس الآن بصفاء يرتل مع الملائكة ” لبنان يا قطعة سما اســـمك على شفافي صلاة”، وهو من اعطى الكثير من صوته وحياته للأناشيد الدينية وللصلاة لقديسي لبنان .
وديع الصافي صوت لا يتكرر سيبقى خالدا” في مسامعنا وستبقى مدرسته أساسا” منهجيا” للأغنية اللبنانية .
ولد الصافي في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921 في قرية نيحا الشوف وجاء الى بيروت عندما كان في سن العاشرة وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة التي تضم ثمانية أبناء. عاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان.
كانت انطلاقته الفنية سنة 1938 حين فاز بالمرتبة الأولى لحنا وغناء وعزفا من بين أربعين متباريا في مباراة للإذاعة اللبنانية ايام الانتداب الفرنسي في أغنية “يا مرسل النغم الحنون” للشاعر الأب نعمة الله حبيقة.
واتفقت لجنة التحكيم في حينه على اختيار اسم “وديع الصافي” كاسم فني له.
في أواخر الخمسينيات بدأت مشاريعه لنهضة الاغنية اللبنانية تتوسع اكثر فاكثر وشارك في مهرجانات بعلبك التي جمعته الى جانبه العديد من نجوم تلك الحقبة المهمة من تاريخ لبنان الفني، مثل فيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف وغيرهم .
شارك الصافي في أكثر من فيلم سينمائي من بينها “الخمسة جنيه”، “موال”،”نار الشوق” ومع بداية الحرب اللبنانية غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976 ومن ثم إلى بريطانيا ليستقر عام 1978 في باريس قبل ان يعود الى وطنه لبنان الذي لم يفارق قلبه ولا فكره ولا عقله طيلة فترة الغياب.
نقل الصافي لبنان إلى دنيا العرب، وإلى ما بعدها، عرفته العواصم الأوروبية، وعواصم المهجر برمتها بلبلاً صداحاً ينقل هموم الوطن لا بل الوطن كلّه إليها.
غنى للمغترب والمقيم، للعاشق والحزين، وقبل ذلك للوطن. فـ(لبنان يا قطعة سما) لم تعد لدى من يسمعها مجرّد اغنية، بل باتت أشبه بنشيد وطني عاطفي فني يعبر عن الوطن كما يتمناه أهلوه، ترك الصافي ارثاً فنياً ليس من ارث يشبهه، أو يقاربه في قيمته النوعية ومن حيث التنوع.
وديع الصافي رحل جسداً ليبقى “الصوت الأجمل والأعظم في الشرق يرن في الآذان كما في الضمائر ، حمل لبنان في قلبه ووجدانه.رحم الله فناننا الكبير واسكنه فسيح جناته…