حيث يتوشح العراق بالخلافات الطائفية والتجاذبات السياسية، حضرت سمو الأميرة الدكتورة نسرين بنت الأمير محمد بن الملك فيصل الأول بن الشريف حسين الهاشمي أمسية للجالغي البغدادي في نادي الصيد العراقي وهي ترتدي السدارة الفيصلية.
نظر الجميع بإستغراب لمسو الأميرة الدكتورة نسرين، فالسدارة الفيصلية هي للرجال فقط، وما هو للرجال في العراق لا تستطيع النساء الاقتراب منه! وفي لحظة الترحيب بالأميرة نسرين حفيدة الملك فيصل، تفضلت سموها بقول للحضور: “لقد شرفني والدي الامير محمد اطال الله في عمره بلقب رابعة الرجال وحضرت هنا انا ارتدي السدارة الفيصلية شعاراَ ورمزاَ لوحدة العراق وشعبه كما كانت منذ العام 1921”.
وبعد إنتهاء الأمسية البغدادية، توجهت بأسئلتي لسمو الأميرة الدكتورة نسرين عن تاريخ السدارة الفيصلية، فأجابتني قائلة:
” عندما بايع الشعب العراقي جدي المغفور له الملك فيصل الأول في عام 1921، كان جدي يلبس الزي العربي الحجازي الثوب والعباءة والعقال المقصب. في ذلك الوقت كان الشعب ينقسم إلى من يرتدي الزي العربي ومن هم بالزي الأفندي يرتدون الطربوش العثماني. ولأن جدي الملك فيصل الأول كان واضعا نصب عينيه بناء دولة عراقية مدنية حديثة تساير التطور وبعيدة عن الطوائفية والعنصرية المنغلقة على شريحة بعينها من دون غيرها. حينها أراد جدي أن يكون هناك زي موحد يكون أشبه بميزة عراقية تدل على الهوية الوطنية.. وهنا رسم الملك فيصل الأول تصميم السدارة (القبعة) وأعطاه لصديقه ومستشاره رستم حيدر ليتم تنفيذها، وما أن نفذت، كان هناك اجتماع للوزراء، فحضر رحمه الله الملك فيصل الأول الاجتماع وهو يلبس زي الأفندي (أي البدلة) وعلى رأسه السدارة وكذلك كان رستم حيدر يرتديها، وقام رستم حيدر رحمه الله بتوزيع السدارات على أعضاء الحكومة فارتدوها. ولأن هذه القبعة بتصميمها تختلف عن أي قبعة أخرى، ولأن من صممها وأول من ارتداها هو الملك فيصل الأول لذلك أطلق عليها العراقيون اسم السدارة الفيصلية، وأصبحت من ميزات العراقيين.
وسألت سموها عن دلالات السدارة الفيصلية، فأجابت قائلة:
“السدارة الفيصلية صارت عنواناً للتحول في طبيعة المجتمع العراقي نحو التحضر والتمدن والوحدة، والأهم أنها إشارة ودلالة تشير إلى هويتهم الوطنية، فصار يرتديها الرجال سواء كموظفي دولة أو حتى الأفندية (أي الطبقة المتعلمة والمثقفة بالعراق يطلق عليهم بالأفندية) وذلك لجماليتها ولرمزيتها فأصبح الرجل العراقي يتميز عن غيره من أخوانه العرب بلبس “السدارة الفيصلية”.
وعما إذا كانت السدارة الفيصلية ذات لون واحد كما هو الطربوش العثماني، أجابت سمو الأميرة الدكتورة نسرين الهاشمي قائلة: “كانت السدارة الفيصلية تخيط بألوان مختلفة لتتناسب مع ألوان (القاط) أي البدلة، فمنها السوداء والقهوائية (أي اللون البني) والزرقاء والرمادية، وحالياً آخر ما بقي من ألوان السدارات المستعملة بندرة هذه الأيام هو اللون الأسود فقط. ان الذين يلبسون السدارة في عهدنا هذا قليلون، فأصبحت فقط كرمز يرتديه الفنانون العراقيون خاصة قراء المقام العراقي، أو حين يتغنون ببغداد وانتمائهم لدار السلام، مثلما فعل الفنان الكبير كاظم الساهر عندما ارتداها ومن معه في كليب “تتبغدد علينا”.
لماذا اليوم بالذات ترتدي سمو الأميرة الدكتورة نسرين السدارة الفيصلية؟ أجابت:
“لقد أراد جدي الملك فيصل الأول رحمه الله من لبس السدارة الفيصلية اشارة نحو الوحدة الوطنية واشارة لبناء الدولة المدنية المتحضرة. للأسف ان بزوغ المدنية ونهضة العراق لقرابة اربعين عاما التي عمل عليها الملك فيصل الأول رحمه الله وأبناء الشعب العراقي، بدأت تختفى بين دولة طائفة أو عشيرة.
تخلوا عن سدارة المدنية والقوها بعيدا، وقسمت المناطق طائفيا وعرقيا.. نسوا العراق، فلم يعد فوق رأسهم شيء يهديهم لرؤية الانسان.. ارتدائي اليوم للسدارة الفيصلية في وقت يرجع العنف مرة أخرى للشارع العراقي والطائفية والدكتاتورية والتفرقة والممارسات المؤسفة، ارتديها رمزا لوحدتنا وكنوع من المطالبة للسياسيين وغيرهم أننا نريد دولة مدنية متحضرة.. ارتديها اليوم بدلالاتها الوطنية لأنها هويتنا العراقية.. وكلي رجاء ان يقف الرجال لحظة ويتفكروا بحال الوطن، الوطن الذي هو الشعب.. أتمنى أن يرتدي رجال السياسة السدارة الفيصلية علهم يعودون لصوابهم.. أتمنى على الرجال العراقيين صغارا وكبارا بكافة فئاتهم من أدباء ومفكرين واطباء واساتذة جامعات وطلاب وفنانين وعمال ومهنيين، أن يرتدوا السدارة الفيصلية مطالبين بالوطن الواحد الموحد أرض وشعب.. في هذا الوقت نحن بحاجة للسدارة الفيصلية لأنها لا تميز من يلبسها بطائفته أو مذهبه أو عرقيته، إنما تميز الكل من الكل أنهم عراقيون”.
انتهى الحديث ولم تنته أعمال العنف والارهاب في العراق.. فهل يستجيب العراقيون لحفيدة الملك فيصل الأول التي عادت من اجل بناء الانسان والوطن غير مبالية لمنصب أو كرسي.