كتب الدكتور محمد الساحلي:
دمعة…البداية والنهاية ودمعة على السطر.
أمست الدمعة التي تسيل على خد النساء والرجال، المسنين والأطفال، الصادق والمحتال…أمست القصة والحدث… يراها الجميع، يشعر بها الكثيرون ويتجاهلها البعض.
أمست الدمعة نتاج السفارات والمؤامرات. أمست السلاح والسخافات. أمست تعبير من هم ليسوا منهم. يقولون الدمعة التي طفح بها الكيل. تلك التي ذرفت على أبواب القنصليات، وعلى مدرج المطار. على أبواب المستشفيات وفي أقبية الملاجئ. تلك التي سالت في منتصف الشهر حينما قضى مدخول الشهر. تلك التي انهمرت حين استشهد الجندي، وانهار المبنى القديم القابع على أساسات قانون الإيجارات المفصّل على قياس عقود الهيئات الوطنية والوزارات. الدمعة التي أبت الانتهاء في نهر ملوث بالنفايات، التي رفضت أن تقبع وحيدة في سدٍّ كلّف المليارات لا تصله المياه بشهادة الخبراء. إنها دمعة الأم الفخورة بشهادة عصارة زواجها التي جمِّدت بفعل المعارف والواسطات. إنها دمعة الطفولة المحرومة جنسية ريثما ينتهي شياطين الطائفية تعداد مكاسب منح الهوية.
هي نفسها دمعة الأرض على شهيد قاوم العدو وقاومت شهادته مصالح الأحزاب. هي دمعة الطموح والمبتكر المصطدم بلاءات النِّسَب والخوّات تحت راية المشاركة. إنها دمعة البحر على رفات مغتربين لم تحملهم طائرة فغرقوا في منتجعات خاصة؛ منتجعات تطل على مستقبل فيه من الفيول ما يكفي لحرق أي بارقة أمل. ولم الأمل عند شعب يعيش ألم الجفاف والتصحر. جفّت أعين الثوار وملأت أوجاعهم الساحات. قطعوا أوصال الوطن كمن يحاول الانتحار تاركا ثغرة إنقاذ. حاول الدفاع المنسي ملاقاة الحريق ومناجاة ضحايا لبنان. لكنهم تناسوا أعمال الصيانة وتقييم المواطنية فنحروا الوطن. أصبح الجائع والمريض والمغترب والعاطل عن العمل والمعوق والمتسول والغني والفقير…أصبحوا جميعاً غير أوادم بحجة أنهم يريدون وطناً.
يريدون لبنان وطناً يعلو فيه صوت القاضي على صوت الوزير، وطناً يرأسه قائد المجلس الأعلى للدفاع لا يدافع عن من يدّعي النزاهة، وطناً لا يُحارب فيه المسؤول إن أحبَّه الناس ولا يجبر الناس على الخضوع لملذات الأنجاس. يريدون لبنان وطناً فيه رؤيا تثير عقول الأجيال ولا تكون من نسج الخيال مضاءة في فلك مشمس في الأساس. يريدون مسؤولاً لا يفخر بلقب المهجَّر ليبرّر وزارة تدفع معاشات ولد الولد والهجرة غرّبت الولد وولد الولد. يريدون وطناً ترى فيها السلطة دمعة صادقة؛ سلطة لا تجمع الدمعة والسخرية في إناء واحد. سلطة لا تعمل جاهدة على جعل كل فرد يذرف دمعة تحوّلها إلى نقطة في بحر الدماء. يمسي الشعب العظيم شغب بمفهوم السلطة التي تدعي أنها بريئة من كل الدماء. كيف ولا وهي تزعم أنها لاقت الوطن، جمعت الشعب والدمعة/النقطة في كلمة واحدة. السلطة، إن فسدت، ترى الثورة شغب. الثورة، إن نجحت، تسقط دمعة الأنا…تقع النقطة من عليائها وتهتف لحاكمها أباً لكل لبنان. انتهى الكلام. ابتهى الوطن. مجدداً إنها الدمعة. حيثما تراها، يراك لبنان.