في هذا العصر الذي أمسى فيه العالم الرقمي هو الطاغي على حياتنا اليوميّة، إنتقل الفايس بوك من وسيلة للترفيه إلى مكان عمل يحصل الفنانين من خلاله على معدات الإستماع إلى أغانيه وكليباته. وأصبح عدد معجبي الفنان على صفحاته الرقميّة عبر شبكات التواصل الإجتماعي، من أهمّ مقاييس شعبيّته على الإطلاق.
ونقلاً عن بعض الدراسات لمتخصّصين في مجال إدارة الأعمال الرقميّة في شركة ميوزك إز ماي لايف، التي تعتبر من الشركات السبّاقة في مجالات الإدارة والتوزيع الرقمي للمحتوى الموسيقي في العالم العربي، فإنّ الحقائق التالية ترسم الخطوط العريضة لواقع السباق الذي يجول بين معجبي الفنانين العرب عبر صفحات فايسبوك الخاصة بهم.
فإن أخذنا لبنان على حدى، يظهر جليّاً تربّع نانسي عجرم في طليعة اللائحة مع أكثر من 3 ملايين، يليها وائل جسّار، ميريام فارس، إليسا، راغب علامة، هيفاء وهبي، نجوى كرم، جورج وسّوف، ماجدة الرومي، وفي المرتبة العاشرة نوال الزغبي.
أمّا في مصر، فيحتلّ تامر حسني المركز الأول مع أكثر من 4 ملايين معجب، ليأتي بعده عمر دياب، محمد حماقي، ساندي، أحمد مكّي، محمد منير، عمر مصطفى، حسام حبيب، سوما، وكريم محسن في المرتبة العاشرة. (أقفلت صفحة شيرين مؤخراً)
وفي المغرب العربي، تأتي الفنانة المغربيّة جنّات أوّلاً مع أكثر من مليون معجب، بعدها الراحلة وردة، عبد الفتاح الجريني، الشاب حسني، مسلم، هدى سعد، دون بيغ، أمل بوشوشة، الشاب خالد، وفي المرتبة العاشرة ديجي أروان.
وأظهرت مراقبةٌ أسبوعيةٌ دقيقة خلال الأشهر الفائتة، كم أنّ بعض الفنانين شهدوا، خلال مدّة وجيزة، زيادةً ملحوظةً في عدد المعجبين على صفحة الفايسبوك الخاصّة بهم، أهمّهم راغب علامة، تامر حسني، ويارا. في المقابل استطاعت الفنانة الجديدة على الساحة الفنيّة، جنى، ومن خلال فيديو كليب واحد؛ “بنت من الشارع” ، الحصول على أكثر من 50 ألف معجب في وقتٍ قياسي. كما وقد حقق الفنان المصري أحمد مكّي، رقماً عالياّ من المعجبين، إذ تخطّت صفحته المليون معجب وهو الذي عُرف بأغانيات الراب ذات الطابع الكوميدي.
من جهة أخرى إستطاع خريجو البرامج الغنائيّة للهواة كستار أكاديمي، وسوبر ستار وألبوم وأراب أيدول وغيرها، أن يبرزوا أيضاً بمراكز أماميّة في هذه اللّعبة، قياساً لشعبيتهم على الفايسبوك، فكانت الأولويّة في المغرب العربي لشذى حسّون، عبد الفتاح الغريني وأمل بوشوشة. وفي المشرق العربي فإنّ الصدارة لمحمد باش وناصيف زيتون، وأمّا في مصر، تتصدر لارا اسكندر وكارمن سليمان الإحصاءات.
علماً أنّ العدد الإجمالي لمعجبي الفنانين العرب على صفحات الفايسبوك يقارب الخمسين مليون، يتقاسم الفنانون اللبنانيّون 20 مليون منهم، والفنانون المصريّون 20 مليون، و 10 ملايين لفنّاني الخليج والبلاد العربيّة.
فما سبب هذا التغيّر السريع والاهتمام المفاجئ بالعالم الرقمي؟ الجواب بسيط؛ لقد بات الفنانون ومدراء أعمالهم يدركون حتميّة توجّه المسار في نظام صناعة الموسيقى الجديد، ليلحق بجمهور المعجبين في عقر دارهم الذي يتمثّل بحساباتهم على شبكات التواصل الإجتماعي على الإنترنت.
نعم، لقد باتت صفحات الفايسبوك عاملاً أساسيّاً في تعريف شهرة الفنان.
ولكن، تجدر الملاحظة أنّ ظاهرة تزايد أعداد المعجبين على صفحات الفايسبوك تتطوّر عند البعض منهم بأسلوب يطرح علامات الإستفهام لناحية سرعة الإكتساب. فالمخيّب للظنّ، أنّ البعض من الفنانين انتقى الطريق السهل والسريع لكسب المعجبين. كيف ذلك؟ الطريقة سهلة، شراء معجبين “وهميين” ! العروضات جدّ مغرية، فيمكنك مثلاً شراء 1500 صوت بـ 35 دولاراً، بالإضافة للكثير من العروضات الأخرى.
في المقابل، هناك الطريقة المهنيّة للقاء بالمعجبين، والتي تتمّ عن طريق الإعلان عن الصفحة عبر الفايسبوك ذاته، face book ads ، فمن خلال الإعلان يمكنك أن تصبح من معجبي الصفحة بنقرةٍ واحدة، إذا كنت حقّاً وبملء إرادتك ترغب باللّحاق بالفنان وتودّ معرفة آخر أخباره ومشاريعه.. هذه طريقة سليمة لجمع المعجبين، إنّها تضمن جودة عالية للصفحة، نشاطات كثيفة على الصفحة، وتخاطب دائم بين سائر المعجبين.
تظهر الإحصائيّات الداخليّة للصفحة (ما لا يستطيع الزائرون رؤيته)، أنّ مصدر الـ Likes المكتسبة عبر حملات شراء المعجبين، هو بلدان لا تمتّ إلى الفنان بصلة ، إذ يأتي معظمها من البلدان الناميّة التي لا تتكلّم أصلاً لغة الفنّان ولا هو معروفٌ فيها على الإطلاق، أمّا اذا رُوّج للصفحة من خلال إعلانات الفايسبوك الرسميّة، فإنّ مصدر المعجبين غالباً ما يكون دولاً قريبةً من الفنان فتعكس بذلك الإحصائيّة الداخليّة للصفحة حقيقة شعبيّة الفنان على الأرض.
نبرز، بإذنٍ من الفنانة إليسا، صورة للإحصائيّات الداخليّة لبلدان مصادر معجبيها عبر صفحتها الرسميّة لتكون أفضل مثالٍ للتوزيع المنطقي الحقيقيّ لشعبيّة الفنانة المطابق إلى حدٍّ بعيدٍ بنسبه، التوزيع الفعلي لجمهور الفنانة.
وفي تطوّرٍ إنعكاسيّ تُجاري به الأطراف بعضها البعض، فإنّ مواقع التواصل الإجتماعي تحاول من جهتها مواكبة التطوّر الموسيقي؛ محاولاً، كلٌّ على طريقته، ابتكار أسلوبه الخاص، فقد أضاف فايسبوك Listen button لصفحات الفنانين مخوّلاً المعجبين الإستماع إلى أغاني نجومهم من الصفحة الخارجيّة، وأطلق فايسبوك ميوزك مع مطلع هذا العام.
وقامت شركة يلا ميوزك مثلاً، بإطلاق تطبيق يلا الموسيقي الذي يتضمّن مكتبةً موسيقيّة تشمل كافّة الفنانين العرب وأعمالهم، وتضمّن سيرهم الذاتيّة، صورهم، أغانيهم، والفيديو كليبات الخاصة بهم. وقد تصدّر تطبيق يلا المتواجد على صفحات فنانين عرب كثر المرتبة الأولى في التطبيقات الموسيقية المحمّلة على الـ Appstore في مصر، لبنان والأردن.
يتطوّر العالم الرقميّ ليحتلّ المساحة الأكبر من حياتنا اليوميّة، وقد بات بدون منازع الحقل الأوسع للمنافسات على مستويات عدّة يعلوها الفنّ وجمهوره. والمنافسات كما في العالم الحقيقي منها شريف ومنها يبتغي الربح السريع… ويبقى التساؤل، كم هو عدد الفنانين الذين يجرؤون، على مثال الفنانة إليسا، الكشف عن مصادر معجبيهم في إحصئيّات صفحاتهم الداخليّة؟