وتحولت جلسة العلاج الجماعي التي كانت مقررة مباشرة على الهواء
بين المعالجة النفسية الدكتورة دوللي حبال والمشاهدين إلى جلسة لفك لغز الأخوين دانيال
وخوسيه دانكا اللذين “دوخا” العلم والعالم وكل من تعرف عليهما.
وعندما حاول زافين مصالحة الشقيقين الغريبين اللذين جمعتهما مصائب
العالم وفرقتهما المشاعر الطائفية في لبنان، حصل ما لم يكن بالحسبان: مدينة إدلب (شمال
سوريا) تشاهد بذهول: هذان شقيقي “معمر ومعن صيادي” اللذين اختفيا منذ عشر
سنوات! اعترافات مثيرة بخمس لغات وتفاصيل رحلة شاقة بين سوريا وقبرص وتركيا ولبنان
لا تحصل إلا في الأفلام. انه الشرق الأوسط في قبضة مجنوني “سيرة وانفتحت”،
والآن أصبح لهما أولاد!
لم تفرقهما عشرات البلدان التي زاراها، ولا مئات المحن التي
مرا فيها، ولا آلاف الأيام التي أمضياها وهما يدعيان تارة أنهما مكسيكيين، وأطوارا
أنهما فنانين لم يفهمهما العالم بعد، وحين وصلا إلى لبنان تغير كل شيء.
خوسيه ودانيال، توأم عشريني، لا يعرفان ما هو دينهما ولا أين
ولدا ولا كيف وصلا إلى ما هما عليه اليوم، اعتنق أحدهما الدين الإسلامي، وأصر الآخر
على أنه مسيحي وتخاصما، وبات في الإمكان إعطاؤهما الجنسية اللبنانية من دون تردد، بعدما
“تحاربا” طائفيا، وأنجزا “معمودية النار” اللبنانية فيما بينهما.
هذا التوأم قال في “سيرة وانفتحت” قبل خمسة أعوام
أنهما مكسيكيان جردهما القدر من جنسيتهما، وترفض الدولة اللبنانية الاعتراف بهما كلبنانيين،
وإنهما يجولان حول العالم لتغييره بالموسيقى، على طريقة فرق سبعينات القرن الماضي،
وقال الجميع يومها إنهما مجنونين.
واليوم، وبعدما كان مقررا أن يتابع زافين قصتهما لربع ساعة،
احتلا أكثر من ساعتين، هو وقت البرنامج كله، في تطور لافت. فحين كان زافين يحاول إعادة
المياه إلى مجاريها بين التوأمين المختلفين، أصر خوسيه على أنه لا يريد أن يتحدث مع
أخيه، ولا أن يسلم على ابنة أخيه التي لم تكمل عامها الأول بعد، وذلك بحجة أنه يريد
أن يرى ابنه من زوجته الفيليبينية قبل أن يصالح أخيه، ليكتشف مشاهدو البرنامج أن المشكلة
بينهما… طائفية.
المشكلة أبعد من ذلك، فبعدما كان التوأم متواطأ على “الخيال”
قبل خمسة أعوام، كشف دانيال في الحلقة الماضية من “سيرة وانفتحت”، مباشرة
على الهواء، ومن دون سابق تحضير، أنه هو وأخيه كانا يخترعان شخصيات ويصدقانها: لم نكن
نكذب، كنا نفتش عن شخصياتنا، وكل فترة نخترع شخصية جديدة ونقرر أن نعيشها، ثم نتركها
إلى شخصية أخرى”.
دانيال الذي أراد التأكيد على أنه بات مسلما حقيقيا لا يكذب،
كشف لزافين سر ضياع الهوية بين لبنان والمكسيك، وأكد أنه وشقيقه من “النَوَرِ”،
وكان يقصد، على الأرجح، “الغجر”.
وقال دانيال أنهما ولدا في المكسيك، حيث تبناهما رجل راح يسفرهما
معه طوال الوقت بين الدول الأوروبية، التي يذكران منها بريطانيا وهولندا وغيرها. ثم
حصل هذا الوالد على الجنسية الهولندية، لكن لسبب غامض، أو لسبب يرفض التوأم الإفصاح
عنه، قرر أن يتركهما لمصيرهما في العام 1994.
منذ ذلك الوقت يدور خوسيه ودانيال (وكانا في الـ11 من عمرهما)
في الشرق الأوسط، بين تركيا ولبنان وسوريا وقبرص، ويطردان من بلد ليصلا إلى بلد
آخر، من دون أن يجدا نفسيهما ولا أصليهما ولا أحلامهما.
وبعد 11 عاما من الترحال وصلا إلى استديو “سيرة وانفتحت”
في العام 2005، وهما يدعيان أنهما مطربين مكسيكيين من الهنود الحمر. وفي حلقة هذا الأسبوع
من البرنامج دخل دانيال الاستديو ملقيا التحية
الإسلامية: “السلام عليكم”. أما خوسيه فيقول: “فأنا مسيحي وأريد لابني
أن يكون مسيحيا، مع احترامي للدين الإسلامي من جميع الجهات، لكن نحن في العائلة مسيحيون
ونريد أن نبقى مسيحيين”، ليستدرك أن والديه توفيا في الحرب الكشميرية الهندية
بكشمير، قبل أن يصحح له أخوه: “نحن نور، وهذا ليس عيبا، ولا نعرف أين ولدنا ولا
من هم والدينا، كل ما نعرفه هو هذا الرجل الطيب الذي ربانا ثم قرر أن يمضي في سبيله”.
وتنهال الاتصالات على البرنامج. هذا يوسف من الكونغو استدان
منه خوسيه ألفي دولار، وذاك باكستاني من السعودية يؤكد أن لغة خوسيه الهندية لا بأس
بها، إلى متصل آخر لبناني من قبرص يؤكد أن له صورة مع خوسيه ودانيال في قبرص تعود إلى
العام 1999 وكانا مغنيين في الشارع، من ثم يتصل خوسيه بزوجته الفيليبينية التي يعجز
عن اللحاق بها إلى بلدها لأن السلطات اللبنانية لا تعطيه جواز سفر. ويتحدث معها
بلغتها، ثم اتصال من ألمانيا وخوسيه يحاول إثبات متانته اللغوية الألمانية فيفشل، ثم
يتحدث مع أخيه بلغة قال إنها إسبانية، ليتصل مترجم محلف باللغة الاسبانية ويؤكد أن
اللغة الخاصة التي يتحدثان بها غير اسبانية.
بعدها انهالت الاتصالات من مدينة إدلب السورية مؤكدة أن التوأم
ليس إلا ولدي رجل إدلبي لا يعرف لماذا هربا من المنزل قبل 15 عاما ويقول المتصل أنهما
من قرية كنصفرة في محافظة إدلب في سوريا وأن والدهما يُدعى محمد حاج ياسين وهو
أستاذ تربية قومية. ثم يعترف التوأم أنهما يتحدثان لغة “النور” التي تتراوح
بين العربية والألمانية والانكليزية والهندية والاسبانية، قبل أن يتصل في نهاية الحلقة
عبد السلام صيادي، ويدعي انه شقيقهما الأكبر. قال عبد السلام: “أنا الشقيق
الأكبر لمعن ومعمر، وأعرف أنهما ذهبا إلى بيروت ومستعد أن أكون معكم الأسبوع
المقبل لحل هذه المشكلة”.
أكبر عدد من اللغات يستعمل في حلقة واحدة. خوسيه ودانيال خرجا
من الحلقة متصالحين، لأن خوسيه كان يحتاج للمال وقد وافق دانيال على إعطائه بعضا من
القليل الذي لديه، عاد الشقيقان اللذين لم يلتقيا منذ سنتين سويا ولكن كل إلى منزله،
دانيال في طرابلس وخوسيه في جونيه. فشل زافين في معرفة حقيقتهما، لكنه، من خلال الحوار
معهما، تبين له أنهما يعانيان من “أزمة هوية”.
هكذا فرق لبنان بين شقيقين لا دين لهما ولا وطن، فأعطاهما الطائفية
من دون أن يعطيهما الجنسية اللبنانية. وفي هذه الأثناء يريد دانيال أن يواصل حياته
الجديدة كمسلم يقوم بواجباته الدينية، ويحاول خوسيه، عبثا، الخروج من لبنان بطريقة
شرعية. وكردة فعل على “المعاملة اللبنانية” معه، و”العربية بشكل عام”،
ما عاد خوسيه يسمع العربية ويدعي أنه لا يفهمها، مصرا على التواصل بالانكليزية مع زافين.