Loading...ثمة سؤال واحد يتردد على ألسنة كثيرين منذ طرحت نجوى كرم آخر فيديو كليب صورته وهو عن التغيير الواضح الذي طرأ على نجوى حضوراً وشخصية ، البعض ذهب إلى حد القول أن “نجوى استعادت نفسها في الغناء”، وازداد هذا السؤال إلحاحاً بعد أن حلت نجوى كرم ضيفة على الزميل الإعلامي نيشان في آخر حلقات برنامجه “إبشر” .
بدا “شيخ المعدين” طوني سمعان هو نفسه متفاجئاً بنجوى وحضورها،تحدثنا مطولاً عن هذا الأمر الذي أسر لي أنه لم يستطع بعد تحديد ماهيته ، فأكدت أن الإجابة عن هذا السؤال سيقرؤها في مقالتي على موقع “ميوزيك نايشن”.
ولأنني “أزعم” أنني من المتابعين بدقة لمسيرة نجوى كرم الفنية ومن خلالها لشخصيتها الإنسانية والمنعطفات الدقيقة التي مرت بها،”أزعم” أيضاً أن ما يُطلق عليه “المتسائلون” “تغييراً على نجوى كرم” هو “نضج إنساني، ومصالحة مع الذات والآخر، ووضوح في الرؤية الفنية، وقبل هذه كلها نجوى كرم أدركت أنها خارج إطار المنافسة الفنية فارتاحت واستقرت وتفرغت لتنافس نفسها فقط لا غير، ومع كل ما تقدم لا بد لنا من تقديم براهين رؤيتنا هذه وأدلتنا عليها.
يعبر الفنان محطات عدة يظل فيها قلقاً من حجم نجاحه وانتشاره ومن منافسيه ومن تطوير ذاته وأعماله والبحث عن التطوير والتجديد، فعندما وصلت نجوى كرم إلى “ذروة” نجاحها في الأغنية اللبنانية في تسعينات القرن الماضي، أصيبت بسبب محيطها بعدوى القلق من وصولها إلى حال استقرار ومراوحة في النجاح، وعادةً هذا أكبر قلق يصيب الفنان فتنتابه الهواجس والأسئلة حول الصعود الذي “تفرمل” فجأة، ومن يتابع مسيرة أي من كبار الفنانين سيجد أنهم عايشوا هذه المرحلة، ودخلوا حالة مراوحة تختلف مدتها من فنان إلى آخر.
عَبَرتْ نجوى كرم هذه المرحلة في سنوات قليلة ،إلا أنها تعرضت خلالها لحملات إعلامية شخصية كثيرة ، أو لنقدٍ قاسٍ لم نتنبه وقتها كنقاد أن نجوى تعبر “مفازة” اجتازها كل الكبار، وأننا كان علينا التريث قليلاً لندرك إلى أين ستُفضي هذه التجربة…
بدون شك تخبطت نجوى فنياً بين لونها اللبناني الصرف الذي عُرِفت به ، وبين التوجه إلى تغييره بصيغة ما، هذا الأمر هز بوصلة نجوى الفنية،إلى أن حسمت قرارها بأن ما يميزها عن كل الآخرين ويجعلها خارج المنافسة هو هذا اللون الذي تفردت به ، وأنها اختارت الأغنية اللبنانية أرضاً مميزة لها وأن هذا اللون بالتحديد هو الذي سيتيح لها أن تترك بصمة حقيقية لها وللأغنية اللبنانية وسيجعل منها امتداداً لتلك الحقبة الذهبية في الستينات والسبعينات.
هذه الخلاصة قد تكون قادت نجوى إلى عدة خُلاصات، أولها أن تستشير إنما أن تحسم قرارها بنفسها فلا تأخذ برأي من هنا،أو “تبخير” من هناك، فثمة ملاحظة هامة جداً أخطأ البعض عندما حاول جعلها مأخذاً على نجوى، البعض وصفه بحال “تكبر” أو “غرور” أصابها ، لم يكن ما أصاب نجوى لا هذا ولا ذاك ، بل كان أول مظاهر ثقة نهائية بالذات والصوت ، كأنه اتفاق أو وثيقة سرية وقعتها نجوى كرم مع نفسها، فنفضت عنها كل غبار الكلام ، ومشت صوب ما تريده.
بعد هذه المرحلة لم يعد لدى نجوى مانعٌ من “التجريب”،حاولت أن تشكل مع ملحم بركات “ثنائي” الصوت واللحن، جربت نجوى، ومع الوقت أدركت أن ما قدمه لها بركات صحيح أنه لم يُرتب عليها خسائر،إلا أنه لم يُشكل أي إضافة على مسيرتها وصوتها، فانصرفت كلياً للتركيز على إحسان التصرف جيداً بالنجاح الذي حصدته بفضل حسن اختيارها للكلمة واللحن، كانت نجوى قد سبقت جمهورها إلى اكتشاف أنها كرست نفسها شخصية مستقلة ومتميزة.
كل هذه الخبرات تراكمت على طريق نجوى كرم أحسنت الاستفادة من كل تجربة مرت بها فأدركت أنها سيدة لونها وعندما التفتت لتشاهد كثيرات وكثيرين يتساقطون على الطريق بعد أن استهلكوا عمر نجوميتهم الافتراضي، تنبهت نجوى أن ما حماها مما أصاب الآخرين هو تفردها في غنائها.
بلغت نجوى كرم نضجاً فنياً بفعل التراكم، أسقطت عنها ثرثرات بعض من يدعون النصح والإرشاد، وأدركت أن النجاح ليس تنظيراً في مقالة يكتبها أحدهم رياء ، من دون أن يصدِقَها القول مع أن “المستشار مؤتمن”، ومؤتمن هنا لا تعني أنه مؤتمن فقط على ما استودع من سر السؤال وأخذ المشورة، بل يعني الائتمان هنا أن يكون صادقاً في قول كلمة حق يَصْدِقُ فيها لا أن يقول لمن يسأله ما يحب!!
نعم هناك تغيير كبير طرأ على نجوى كرم، نقل مسيرتها الفنية نقلة نوعية منذ أيقنت أنها توصلت إلى كل الخلاصات التي وصلت إليها في هذه التجارب، وأدركت أن لا منافس لها في لونها، هذه الطمأنينة قد تغش الفنان أحياناً وتجعله في حالة استرخاء خطرة، إلا أن هذه الخلاصات دفعت نجوى إلى أخذ زمام المبادرة والإقدام على أكثر من صعيد ، كان آخرها قرارها بتفجير نظرية الـ “ستوري بورد” التي حكمت الفيديو منذ ثمانينات القرن الماضي…
تنبيه ـ هذه مجرد محاولة “قراءة شخصية” للإجابة عن سؤال يطرحه كثيرون، قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ، وتبقى الإجابة الحقيقية ملك نجوى كرم صاحبة التجربة .
