أقفلت باب
صومعتها واكتست بأبيضها ورفلت بنعمتها والى جونيه سِر…. نظرت الى فوق حيث السيدة
تحرس لبنان منذ الأزل فإذ بكامل الرضى يفيض بسبت فائض النعم – فالسبت في بيعة
النصارى سبت نور والسيدة أم النور والماجدة ام لنور الصبية ونور النعمة فأتى
التأمل الكلي صفاوة عبر قناة اتصال بين عرش في السماء وميدان على الأرض، تأملتها
ماجدة ملياً فإذ بها ترفع وتأملها طاقتها الجاهزة للإرسال ومدينتها المتأملة
بإنتعاش ولبنانها المسمر على صليب التجاذبات. ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
لإستجارة الماجدة بقوى الأعالي – فنبع المحبة لم ولن يخذلها يوماً/وحين رنمته
مزمور رحمة وغسل إثم لم يصد اذنيه عنها فكانت لها الراحة الآنية/وحين سمّته مع
سعيد عقل – صاحب المئة عام – بالسعة الكبرى المترئفة بكل محتاج استزادت منه ولكل
سائل فـّوضها/ويوم شجته في أردن المعمودية شهدت أن مسيحها علا فوق المياه وصولاً
الى ليلة هللت Ave
Maria
وكبّرت بالله كان صك الاعتراف بارتباط سرمدي لصوت حاملته بخالقها
ودينين تحياهما بانفتاح واستخلاص والله واحد وأكبر.
ما سر تلك
السيدة؟ بينها وبين الأعالي لغز؟ قنوات اتصال ملائكة حراس وساروفيم حاضرين؟
ما سر تلك
السيدة مع المدن؟ تنادي بيروت من سباتها فيضمحل الوجع وينتفض الردم شواهق ومنارات.
ترعى جونيه باهتمام فيُضخ الدم في يباس الأوردة ويلمع اللؤلؤ في ليل الخليج/تمتشق
الصوت في بيت الدين وقصرها فيلبس الزمن زي فارسٍ معنيٍ أو تنوخيٍ أو لمعيٍ، وينازل
العضاريط كرمى عينيها وليالي صيفها حتى الاشخاص والرموز وبعيداً عن الانقسامات
المريضة والتأييد التكالبي المطلق تراهم حقائق بدل زيف، ورَياء نقيض رِياء/صوتها
يجعل المسؤول الحاضر ودوداً بين رعاياه/مستساغاً حتى من معارضيه، ومعشوقاً عند
مناصريه، وترمقه فيعلو محياه طيب الخاطر وتتفتح دماثة الخلق على وجنتيه الى ان
تهزم وضاحة الأسارير ظلمات السياسة وثعلبيتها… هذه تأثيرات حفلات الماجدة فليحضر
المشكك الحفل وبعدها يسائلني حتى الجدال.
فاتني الحفل بداعي السفر، ولم يفتني الاستيضاح
والاستعلام عن أصدائه فإذ بصديقتي ريما نجيم والعالمة بتعلّقي وتقديري المزمن
لماجدة لبنان والعرب تعلمني برسالة نصية فحواها أن ما شهدناه الليلة كان أكثر من
حلم وجماله يكمن في استمراريته لساعتين…. فاكتفيت بشهادة الحاضرة وأطلقت العنان
لخيال ينسج سينوغرافيا المشهد، وتزاوج الاضاءة ووقع النغمات على الخليقة الى لحظة
التكريم من صاحب الفخامة على صدر الماجدة… رضى العلى تجسد بمحبة علًمنا إياها
فيلسوف بشري ومفادها أن المحبة لا تعطي إلاّ ذاتها ولا تأخذ إلاّ من ذاتها والليلة
تستردها الماجدة تقديراً واجلالًا من أنام ورئيسهم يبادلون صاع الحب بصاعي التقدير
وألق المسيرة بكومندرة الوسام الذي ارخى بثقله ونيره على قلب بصدر يخفق مناجاة
وتواصلاً مع كائنات شفافة تسكن الأعالي والسيدة صامتة إزاء جلال اللحظة واستعراض
وثائقي التعب المتوج بالغار – صمتها استفاضة عن نعمة ربها الى أن تحدثه بها يوم
تلقاه فتسلّم الأمانة لتنال بعدها مكافأة نهاية الخدمة بين الأخيار، حتى إذا ما
عادت الى صومعتها بعد اللقاء بالحاكم والساح والمهلّل نامت ملء جفونها، وهي ذاتُها
الحلم الذي ما رمى يوماً اتكاله على سيدة لبنان، ومُنِيَ بخيبة ولا تلك التي هي
للعذراء أمة لن يدركها هلاك أبداً…