“اليوم بدي خبركن انو
ما رح نحكي قضايا ولا مشاكل مجتمع ولا مواضيع نعلي السقف فيها، اليوم حلقة
غير”. بدفق من وجع وحزن، استهل جو معلوف حلقته من برنامجه الأسبوعي “انا
حر” يهديها الى روح الشهيدة ميريام الأشقر. هي الصبية التي كانت قاصدة الدير
لتصلي وفي يدها المسبحة والانجيل، فتعرضت لمحاولة اغتصاب أو اغتصاب، لا فرق،
فالصبية قُتلت. ويتابع جو معلوف كلامه بتهدج وألم، “من بعد هالجريمة صار
الحمل كتير كبير، بصعوبة بنام بالليل….انا اخواتي صغار وبخاف عليهن من لحظة ما
بفتح عيوني لحتى نام”، متسائلاً ماذا يفعل لو حدث نفس الشيء لهم. وقد تأسّف
جو معلوف على واقع أن القضية بالنسبة للإعلام انتهت، فعمر القضايا لدينا لا يتعدى
الـ 24 ساعة، فنحن ننسى بسرعة، من سرقة عود ثقاب الى مقتل الصبية، الإعلام ينسى.
وخلال مروره الصباحي على موجات الـ أف.أم.، لم يسمع جو معلوف سوى قهقهات المذيعات،
“عمبيتسلوا ويضحكوا ويطقّوا حنك”. يعلم جيداً معلوف بأنه لا يجب أن
نستمر في حزننا عبر الأثير انما طلب بأن يقوم الإعلام، على الأقل، بممارسة
صلاحياته بالضغط على هذه الدولة الفاسدة “واللي ولا حدا من مسؤوليها حاسّين
باللي حاسّينو أهلها لميريام”. هو سور يعلو بين الشعب وبين الطبقة السياسية
التي تعيش في أبراجها. لم يساند العائلة سوى بعض السياسيين، ومع تقديره لهم، اعتبر
جو معلوف بأن هذا لا يكفي. فالكراهية تزداد بين المجتمع وبين الطبقة السياسية، هم
حكام ينهبوننا ويمتصون دماءنا. “البلد فارط وفلتان وانتو مش سائلانين”،
فالحجر عندكم قبل البشر، والمال والصفقات قبل الكرامة. الأمن معدوم، “وضعو
تعيس” ويجب اعلان حالة الطواريء، هذه الجريمة هي البداية. يكره جو معلوف هذه
الحكومة، لا لأن غالبيتها من 8 آذار، “ولا لأن الرئيس ميقاتي طويل وانا مش
طولو”، يكرهها لأنه لم يعد قادراً على تحمّل أخبار السرقات والحرائق والاغتصاب
والجرائم وخطف الأولاد. يثابر جو معلوف على الصلاة علّ الله يعينه على السيطرة على
أعصابه، “الله لا يجربني ولا يجربكن، كتير هيّن التنظير، بس خبروني شو بتعملو
اذا صارت معكن”.
لم ولن تنسى جرس سكوب ما حدث، وقد زارت العائلة في كنيسة مار نهرا وأجرت
لقاءات مع أهل ميريام وأقاربها والبعض من ضيعتها التي كانت آمنة. وقد أهدى جو
معلوف هذه الحلقة لروحها وبشكل خاص لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان
وبشكل خاص جداً للأستاذ وسام بارودي (صهر فخامة الرئيس) الذي لم يترك العائلة في
مصابها الأليم مناشداً إياه بأن يطلب من فخامة الرئيس التوقيع على مرسوم الإعدام.
وعلى الرغم من مناهضة معلوف لعقوبة الاعدام، “بس هالمرة روحها وأهلها
لميريام” يطالبون بالإعدام. وبكل محبة قالها جو معلوف: “الله يرحمك يا
الياس الهراوي”، جملة اختارها عنواناً لحلقة “أنا حر”.
وبعد تسجيل مؤثر وخاص بإذاعة الجرس سكوب لوالدة المغدورة، تابع جو معلوف رجاءه
متخبّطاً بين عقله ونفسه، بين الإعدام وعدمه. فقلبه وأحاسيسه ينتصران على عقله
لصالح الإعدام، “ولما نوصل لمحل بشع، لا حل الا الإعدام….ما بيمشي معنا الا
هتلر والديكتاتورية والنظام العسكري”، رغم رفضه لذلك. وأعرب جو معلوف عن
سروره لوقوف السيد وسام بارودي الى جانب العائلة المفجوعة وطلب أن يصل توسله اليه
لأن “بدنا يخلّي فخامة الرئيس يوقّع مرسوم الإعدام”. وقد وجه معلوف تحية
الى عائلة الجميّل التي لم تُقصّر في وقوفها الى جانب آل الأشقر، “انما بدّي
ياها من وسام بارودي”. وطلب جو معلوف أن نستمع الى وجع العائلة وأن نركز معهم
“لأن المشاعر والأحاسيس خفّت ولأنو بطّلنا نحس”.
وصمت جو معلوف ليستمع مع المستمعين الى تسجيلات مؤثرة وخاصة بإذاعة الجرس
سكوب لشقيق المغدورة كريستيان الأشقر، قريبها جورج الأشقر، الأب شمعون عون، الشيخ
جوان حبيش، خطيبها جو عبد الأحد، شقيقها انطوان الأشقر وخالها. وقد دعا خال الضحية
الى قداس الساعة العاشرة صباحاً من يوم الأحد في 27/11/2011 في بكركي لتصل صرخة
العائلة الى آذان المسؤولين بمعاقبة المجرم.
واسترجع جو معلوف جريمة كترمايا حين لم ينتظر الاخوة في الطائفة السنية القضاء،
بل انتزعوا حقهم من المجرم بأيديهم. لا يدعو “أنا حر” الى ذلك انما يرفض
أيضاً فكرة استضعاف المسيحيين، فالتساهل والنسيان أمران مرفوضان. ولا يدعو معلوف
الى العنف بل ويتمنى أن لا نضطر للوصول الى هذه المرحلة. “انتبهوا يا حكّام،
الزلمي ممنوع يهرب أو يفلّ من لبنان، وممنوع يكون في غطا عليه”، واذا ما وصلت
العائلة لمرحلة العنف، فسيكون جو معلوف أول المدافعين عنها. ودعا “انا
حر” الى أخذ العبرة مما حدث وطلب من كل مواطن ان يقتني سلاحاً ليدافع عن
عائلته وأن لا ينتظر ترخيصاً من وزير الدفاع، “فـ ما في حكومة ولا في دولة،
احملوا سلاح ودافعوا عن حالكن بوجه المجرم اللي بدو يحرمكن من اللي بتحبوهن”.
وقد اعتبر معلوف أننا في غابة وشريعة الغاب هي التي تحكم، “يا بتكونوا ملوك
في هذه الغابة، أو نعامات بيدعسوكن وبيمشوا عليكن”.
وأعلن جو معلوف العصيان على هذا النظام الفاسد، واعتبر بأنه كان يجب على كل
أركان الدولة، الرئيس والحكومة وأعضائها والبرلمان ونوابه، ان يقفوا جنباً الى جنب
مع أهل ميريام. “ما حدا أكبر من روحها، راح 3 أو 4، يا عيب الشوم”.
واستشهد معلوف بقول للإمام علي رضي الله عنه قائلاً: ” لا رأي لمن لا
يُطاع”، “وهنّي مش بس ما بينطاعوا، مش مملّين عيوننا”. وتذكر معلوف
مستمعاً كان قد طلب منه خلال الفترة الصباحية بالنزول الى الشارع ودعوة الناس الى
التظاهر، واعتبر ذلك حلماً من أحلامه، انما هو ليس متهوراً ويعلم جيداً بأن الشعب
غير جاهز للثورة، ولن يجهز الشعب اللبناني قبل اقترابه من شفير الموت جوعاً والعيش
كالحيوانات وعدم القدرة على الدخول الى المستشفيات، وعندها فقط يدعو جو معلوف
المواطنين للنزول الى الشارع. ودعا الى اعتبار يوم الأحد اختباراً، فإذا كنا بين
الـ 1000 والـ 3000، يكون تفكيره صائباً، أما اذا توجه الى بكركي 200.000
“فبكون فاشل وما بفهم وبكون الشعب جاهز”.
وكرر نداءه الى السيد وسام بارودي معتبراً بأن عل كل شخص لبناني ممن يريد
القيام بواجبه مع الشعب طالباً الزعامة، فعليه أن يكون “أد هالمسؤولية وأد
هالزعامة”.
وقطع جو معلوف وعداً للمستمعين قائلاً “أوعا حدا يتوقع انو ننسى
الموضوع قبل ما أهلها يقولوا: الحمدلله بنتنا روحها عايشة بسلام ونحنا قبلنا الحكم
اللي صدر….واذا ما قالو هيك، ما حنسكت وحنلحقكن أشخاصاً في حال فلّت
الحكومة”. فموضوع الأمن الفلتان صار أكبر من وزارة، هو نظام بأكمله،
“ونحنا اكتر شعب معتّر، بينشفق عليه، شعب بسيط مني وجُر، ما في الا الجوع
والمرض والتعتير والبهدلة” سيجعلون منكم شعباً يرفع رأسه ويصنع مستقبله ويجعل
حكامه على صورته ومثاله لنصبح عندها مواطنين وليس شعباً.
وأخيراً، اعتذر جو معلوف عن قساوته على المستمعين انما هو أساساً يقسو على
نفسه 25 ساعة من أصل 24، وللأحد لدينا موعداً، “فرجونا أديش قادرين تكونوا
كتار ببكركي، وبعد الأحد منحكي الإثنين”.
وبعد انتهاء الحلقة، كان لجو معلوف مداخلة هاتفية أوضح خلالها، وبعد
اتصالات سياسية وقضائية أجراها مع المعنيين، بأن المجرم لن يُسلم بأي شكل من
الأشكال الى سوريا وبأنه سيُحاكم في لبنان وأعلن أنه تم تحويله الى سجن رومية.
“وكرمال روح هالصبية، وكرمال ربنا، كونوا كتار ببكركي الأحد الساعة 10″،
دعوة كررها جو معلوف على أمل أن يرتاح أهلها.
أنا حر، مساحة حرة رسمها جو
معلوف وحددها المواطن اللبناني