أعتقد أنني لا أستطيع أن أُقدم على أمر دون طقوس معينة، لذا حضرتُ فنحان قهوة مُرة قبل أن أبدأ بقراءَة لقاء النجم فضل شاكر الذي أجرته معه الزميلة زلفا رمضان والذي صار بين ليلة وضحاها حديث البلد، فغطى على الذكرى الأولى للثورة المصرية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء..
قبل أن أقرأ اللقاء سمعتُ بأمره من رفاق صحافيين ومن أشخاص عاديين نقلوا لي العناوين العريضة، فقال بعضهم: “ولعت” ورددتها معهم، “تخَنها فضل شاكر”، “سكت سكت ليتهجم على الناس” وغيرها من عبارات التهويل، إلا أن النتيجة كانت واحدة نسجتُها في اللاوعي وهي أن فضل شاكر إرتكب مُصيبة في لقائه مع مجلة “سيدتي”.. لذا أحضرتُ فنجان القهوة لأتماسك وأحلل بهدوء!
بعدما قرأت اللقاء، وجدتثه وإن لم أكن أبالغ، لقاء كأي لقاء آخر، ففضل شاكر كأي إنسان أراد ببساطة أن يقول رأيه وقاله دون مواربة ولا لف ولا دوران ولا دبلوماسية! إستغربت أن أحلل هكذا، وحاولتُ أن أقنع نفسي رغم المنطق الذي أؤمن به بأن لكل رأيه وعلينا تقبله مهما يكن، حاولتُ أن أقنع نفسي بأن شاكر مخطىء، كي لا أخرج عن الجو العام والمجتمع العام والمنطق العام الذي قال ويقول بأن فضل شاكر “زوَدها”!
وطالما أنني عشتُ بعضا من صراع لم أفهمه بين ما أؤمن به من حرية رأي وتعبير وبين رأي عام أجمَع على أن فضل شاكر أخطأن إتصلت بالمعالجة النفسية فرح مقدَم وسألتها:
· لماذا حسب علم النفس يستطيع المجتمع والرأي الجماعي في كثير من الأحيان أن ينتصروا على إيماننا الخاص؟ (أخبرتُ فرح بما حدث معي وأنني كونت فكرة مُسبقة عن لقاء صحافي ما بناء على ما سمعته وحين قرأت اللقاء بنفسي ورغم أنني لم أحد فيه مصيبة، لم أقتنع بأن أخرج عن الإستنتاج العام)
– فرح: ما فعلتِه أنت هو نوع من الـ Pre Judgment أو الحكم المُسبَق الذي نتج من محيطك وآراء الأفراد فيه.. أما الأسباب التي تدفعك لعدم الإعلان عن رأيك الخاص فهي أيضا نفسية إجتماعية، وقد سلط “مورينو” الضوء عليها حين درس التفاعلات بين أفراد المجموعة ووجد أن الفرد نادرا ما يخرج عن رأي الجماعة، بل يلحق به لأنه يخشى أن يغرِد خارج السرب ويخاطر بهذا بأن يتم وضعه خارجا!
أقنعتني فرح مقدم، لكنني قررت أن أخاطر..
ليس المبدأ أو نقطة الخلاف هي إن كان فضل شاكر مُحقا في تصريحاته أم لان، بل المبدأ هو في حرية الرأي التي راح ضحيتها في مصر 685 شهيدا إن لم يكن أكثر وأضرم كُرمى لها محمد بوعزيزي النار بنفسه وقاتل للرمق الأخير الليبيون رافضين فكرة أن يهرب معمر القذافي دون حساب!
إنها حرية الرأي يا جماعة ونحن بطباعنا نمقتها، تفوعنا فكرتها وحدودها لأننا إعتدنا على القمع.. يقمعنا أهلنا في الصغر، إما بالضرب أو بأمر السلطة كما أظهر لنا مالك مكتبي في حلقته الأخيرة من “أحمر بالخط العريض”.. ثم يقمعنا المدير في العمل بحكم أنه ولي نعمتنا ثم يقمعنا السياسي ويمنعنا من أن نحصل على الطبابة والكهرباء والماء وأقل متطلبات الحياة الكريمة، والأنكى أننا نعود زاحفين تحت قدميه حين يطلبنا!
ما أقوله ليس موجها إلى أحد وليس موجها بالطبع إلى أي فنان ذكره فضل شاكر، فكلنا إحترام لهم ولعملهم ومكانتهم، بل هو مسألة حياة وفسلفلة عيش.. ببساطة ثُرتم على فضل شاكر وثار عليه الجميع مرددين: “ولوووو..” لأننا لم نتربى على ثقافة الرأي والرأي الآخر!
ربما أخطأ فضل شاكر في حدة قسوته، لكنه صاحب رأي، وإن كنتم أيها الفنانون ترون في رأيه قسوة، فلكم أن تردوا عليه لأنها أيضا حرية الرأي، لكن واجهوه فمن المعيب أن تردوا على بعضكم البعض بلغة البيانات وجمهور فلان يرد على فلان وإلخ..
وإن كنتم لا ترون في كلامه قسوة، بل قدحا وذما، فحاكموه لأنها أيضا حرية الرأي.. لا يكفي أن ندعي بأننا نستطيع أن نخفي الشمس بإبهامنا، لأن “الشمس شارقة والناس قاشعة” وأقل عاقل فينا يعرف أن الفنانين في جلساتهم الخاصة يشتمون بعضهم البعض بعبارات هي أقسى وأقوى من تلك التي إستخدمها فضل في مقابلته، فلماذا يا أولاد الحلال، تحللون الحرام في السر وتحَرمون الحلال في العلن؟!
كفانا سُخفا.. يحق لأي كان أن يقول ما يريده وإن لم يعجبنا قوله فلنرد عليه أو فلنحاكمه، وإلأا لماذا أحببنا سلطان الطرب جورج وسوف رغم كل الجنون الذي هو عليه وكل الصراحة التي يعتبرها البعض وقاحة؟! وهؤلاء البعض هم من أكبر عشاقه؟!
الصراحة وحرية الرأي نوع من أنواع الإيمان، ففلنستفِد من الخَضَة التي أحدثها فضل شاكر، فليتشجع جميع الفنانين على أن يقولوا رأيهم في العلن وليس في السر، علنا نصل إلى حالة طبيعية من الصفاء!