تعدّدتِ الأوجاع في الوطن العربي والمصيبةُ الأكبر واحدَةٌ وهي الموت الذي يخيّمُ بظلاله على العائلات، فهناكَ أمٌ ثكلى وأب يُكابرُ على الدّمعِ وشقيقة فقدَت سنَدها وكلّه باسم الثورات التي باتت نَقمَةً ترتدي زيّ الدين وتطهّرُ الرذيلة لتجعلهَا أشرفَ من الفضيلة بأشواط، فتلبسهَا ثوب العفَّةِ الأبيضَ وتفسح لها المجال لتتفشّى كالـ غرغرينا!
في سوريا جاء الأحدُ غير كل نهايات الأسبوع على أمٍّ وأبٍ شاهدا إبنهما الذي لم يُكمل الـ 15 عاماً من عمره، وهو يُعدم أمامهما بالرصاص. وحسب القصة التي روياها فإنّ إبنهما الذي يعمل بائعاً للقهوة في حي الشعار في حلب خُطف الأسبوع الماضي على يد جماعةً مسلّحة، ليعيده بعض أفرادها الأحد في ساعات الصباح الأولى إلى مكان عمله وقميصه مرفوعٌ يغطّي وجهه وقد بدت على ظهره آثار الجَلد، وليقوم بعدها أحد الأفراد في الفرقة بالهتاف عالياً: “يا أهالي حلب الكرام، الكفر بالله شرك وسب النبي شرك ومن سب مرة سيعاقب مثل هذا” ومن بعدها أطلَق رصاصتين الأولى على رأسه والثانية على عنقه، فوقع الفتى صريعاً.
وحسب الروايات فإنّ أفراد الجماعة المسلّحة التي يتحدّث أعضاؤها بالفصحى ما يُبعد إحتمال أنهم سوريون أصلاً،,وفي طريقهم سمعوا نقاشا” يدور بين الشاب الصغير وأحد الأشخاص الذي يريد الأستدانة مجددا” رغم أنه لم يعيد للشاب الصغير ماله المستحق له في ذمته حيث يريد الأخير شراء أغراض لبسطته المتواضعة، فواجهه الشاب الصغير قائلاً:” إذا بينزل محمد ما راح أدين”، فحُكم بالكفر وأعدمَ بدمٍ باردٍ باسم الدين، بينما الحقيقة أن لا تطرّف بالدين ولا إكراه فيه، ومن كان كافراً فحسابه عند الله سبحانه تعالى، إلا إذا كان البعضُ يعتبرون بأن الله انتدبهم عنه على الأرض ليتصرّفوا ويقتلوا وينتهكوا الأعراض باسمه!
في سوريا، كفّروه فقتلوه، أما في لبنان قتلوه فكفّروه، وهذه هي قصة هاشم السلمان رئيس الهيئة الطلابية في تيار الإنتماء اللبناني الذي خرج ومجموعة من رفاقه للتظاهر أمام السفارة الإيرانية، إعتراضاً على مشاركة حزب الله بالأحداث السورية ما يضع لبنان على خطّ النار ويهدد بنقل الحرب إلى أراضيه الآمنة. هاشم ورفاقه قوبلوا بالعصي والرصاص، وبينما تعرض آخرون لجروحٍ يتعافون منها، إستقرت الرصاصة في هاشم، فقتلتْهُ.
ورغم أن إكرام الميت دفنه، فقد رفضت بعض الجهات السياسية أن يغطي تراب بلدة عدلون إبنها، فمُنِعَ أقرباؤه من دفنه في مقابر المنطقة وحتى منعوا فتح النادي الحسيني للتعازي، ليتدخّل بعدها رئيس تيار “الإنتماء اللبناني” أحمد الأسعد حيث قدّم أرضاً ووري فيها هاشم السلمان الثّرى!
بغضّ النظر عن أي وجهةِ نظرٍ، هناك حرامٌ ينطبق على جميع بني البشر.. لا تقتلوا بعضكم البعض باسم الدين فالله لا يحتاجكم حين يريد أن يلقّن أحدهم درساً، واحذروا السيفَ الذي تحملوه إذ قد ينقلب على رقابكم يوماً ما، فالقاتل يُقتَل ولو بعدَ حين!
بناء لما ورد أعلاه يصح أن نقول: في سوريا كفّروه فقتلوه، وفي لبنان قتلوه فكفّروه!