في مبنى مديرية الجمارك وسط بيروت، إعتقل الزملاء من قناة الجديد رياض قبيسي، علي شريم، علي خليفة وأديب فرحات، وهم فريق عمل برنامج “تحت طائلة المسؤولية”، ذاك البرنامج الرائع الذي يضع الإصبع على الجرح ونجح في أن يكتسح كل بيت لبناني رغم أنه حديث الولادة.
الشباب حملوا ملفّ فساد إلى الجمارك للمواجهة، على قاعدة أنّهم لا يطعنون بالظهر وأن المتهم يحقّ له بالمرافعة والدفاع عن النفس، لكنّهم تحوّلوا إلى قضية الرأي العام بعد أن تمّ الإعتداء عليهم بالضرب وبعدَ أن اعتديَ أيضاً على زملاء صحافيين ومصورين وإعلاميين توجهوا فيما يلي، للإعتصام أمام المبنى دفاعاً عن رفاقهم، فكان لهم نصيبٌ من الضرب والشتائم والإهانات وكلّ ما سلف مسجّل بالصوت والصورة.
ولكن ولأن “ما في أحلى من لبنان” سيقَ الصحافيون إلى التحقيق، فيما أنهى حرّاس الجمارك وموظّفوها دواماتهم وكأن شيئاً لم يكن وكأن كرامة السلطة الرابعة لم تُهَن ولم تتم مرمغتها بأسلحةٍ لا يعرفها الصحافيون لأنّهم يملكون قلماً وكاميرا لا أكثر!
الزميل رياض قبيسي والشباب أفرج عنهم بعد أكثر من سبع ساعاتٍ من الذلّ، وفور إطلاق سراحه وفي كلمة قالها من أمام مدخل قصر العدل، تحدثّ قبيسي: “إرفعوا الغطاء، فلا يوجد واجب شرعي أو واجب أخلاقي أو واجب سياسي يستدعي تغطية المهربين”. وتوجه إلى مدير عام الجمارك بالإنابة شفيق مرعي قائلاً: “أنصحه أن يستقيل بشرف أفضل من أن يستقيل بلا شرف.. الأمهات والزوجات والأبناء سيلاحقونه في الطرقات على الجريمة الذي ارتكبها”، مختتماً: “لا أحد يعتقد أن هناك جهة سياسية لا علاقة لها بالتهريب.”
والدة المصور علي شريم أبكتنا حين قالت من أمام قصر العدل حيثُ اعتصمَ صحافيون وأفراد من المجتمع المدني وممثلون وطلاب بانتظار الإفراج عن الزملاء ومن بينهم إبنها، بأنّها بكت صباحاً حين شاهدت التلفزيون، لكنها رغم ذلك تحثّ إبنها على المتابعة وعدم الإستسلام والإستمرار في كشف الفساد، ولعلّ أجمل ما قرأناه في ظلّ كل ذلك الحزن تعليقٌ على تويتر من شابة تعلن حبّها لرياض قبيسي وتطلب منه أن يتزوّجها لأنه اليوم صار بطلها.
“ليش في أحلى من لبنان”؟! اليوم سُحلَ الصحافيون وضربوا وأهينوا والبارحة تحوّلت جامعة القديس يوسف إلى ساحة قتالٍ وشتمٍ بسبب شعار من هنا وآخر من هناك، ولا نعرف إن كان هناك ترابطاً في تتالي الأحداث البشعة، لكن هُنا فقط يطفو خبرٌ على آخر، وكلّ الأخبار مأساوية وبشعة ومقيتة!