لا يحمل اللبنانيون همّهم لوحدهم، فمثقّفو العالم العربي وفنانوه يُدركون حجم الجرح الذي ينزف في بلاد الأرز ويتفاعلون معه وكأنّه مصابهم وهي حال الشاعر التونسي نجيب بن علي الذي عبّر شعراً بقلمٍ شفاف، فكتب عقب الإنفجار الذي استهدف بيروت صباح البارحة 19/11/2013:
بيروت
لبيروت أطلق ربّ القصيد العِنان و خيل المعاني/
فبيروت سِفرٌ قديمٌ/
تسافر فيه القصائد عبر الزمانِ/
وبيروت للأرض قالت قديما:
عَنانُ السّماء عَناني!/
هنا أثر الحرب فوق المباني/
تجاعيد تحكي/
كأنّ التجاعيد ألسن تلك المباني/
هنا كان قابيل يذبح هابيل في كل حين و آنِ/
ويشعل نارا ليرقص حول الدخانِ/
لبيروت صوت الكنائس يحضن رجع المآذن بعد الأذانِ/
ببيروت يصطدم العابرون لمرأى الحسانِ/
أيا أمّ آلافِك السّبع مازلت في ريْع عشرين عاما/
كباقة زهرٍ من الأقحوانِ/
ببيروت كان المخاض الزلازلَ سبعا/
فجاءت إلى الكون بيروتُ بسملةً فوق سبعٍ مَثاني/
لبيروت شرفة بحرٍ
عنيد عتيد ملِحٍّ
جريء عنيف شبِق/
هي المشتهاة التي عذّبته
فهلا رأيتم على الأرض بحرا
بنار الهوى يحترق؟/
لبيروت رغم القرون طفولةُ طفل شقي نزِقْ/
تعاكس نجم السماءْ /
وتسرق منه الضياءْ/
لتصغُر في كلّ يوم جديد/
ويكبر فيها الألقْ/
لبيروت أسئلة كالقوارب غرقى
فبيروت بحر يجدّف فيه السّؤال
ويُبحر فيه القلقْ/
و بيروت تطفئ في آخر الليل أضواءها
فيأبى النعاس
كأنّ الوسادة محشوّة بالأرقْ/
وبيروت بين القبائل سالت دماءً
فكيف ستبصر قاتلها في ظلام الغسق؟/
لبيروت قِبلتها/
لبيروت روشتها/
لبيروت محرابها الحجريّ المطلّ على الكبرياءْ/
على الحلم و الموت والبدأ و الانتهاءْ/
على عتبات السماء/
لبيروت روشتها قوسُ نصرٍ على زبد الموج فالعابرون..
هم المنتهون بغيْرِ ابتداء/
لبيروت مابين كلّ انفجارين صوت انفجارْ/
وطلقة نار تمازح طلقة نارْ/
هدوءٌ خفيفٌ/
وجرحٌ طفيفٌ/
فلملم زجاج النوافذ يا أقبرتني يداك
وأكمل بقية هذا الحوار/
لقد قلتَ لي إنّ بيروت أجمل ما في الوجود../
قد انقطع النور أكمل ..
بقية هذا الحوار
فعند الظلام تضاء الشموع
و تعلو خيالاتنا فوق رسم الجدار/
على حائط الليل نرسم حُلْما /
جميلا بريئا /
فيمحو الخيالات ضوء النهار///