آلاف الضحايا وبلايين الدولارات هي حصيلة المعارك السورية، وبين موالٍ ومُعارض، يصحّ أن يُقال في الأموات: “رحمهم الله، بس ارتاحوا”، وفي الحجر: “الله لا يردّو، بيرجع بيتعمّر”، في حين أن المصيبة الحقيقية هي تلك التي تستمر وينمو معها جيلٌ وراء جيل مشرّدين من بلادهم أو بالأحرى لاجئين غيرُ مرحّبٍ بهم أينما وطئوا.
مشكورةٌ كل الدول التي تستقبل اللاجئين السوريين، لكن هؤلاء أصحاب أزمة ومصيبة وقعت على رأسهم، لأي جهة إنتموا، حملوا ما قلّ وخف من الأمتعة وتوجّهوا إلى الحدود، أيٍّ حدود كانت ومنها الحدود اللبنانية، إلا أنهم يلقون معاملة سيئة لا تليق بالبشر أصلاً.
نحكي عن لبنان لأنه وطننا ولنا الحق في أن نشير على العلّة علّها تُعالج، فقد وردتنا عدّة نداءات إنسانية من أشخاص استغاثوا وحاولوا الدخول إلى لبنان ليس فحسبُ هرباً من النار، بل لأن لبعضهم أقارب وأولاد هنا، ولأن بعضهم أيضاً يحتاج إلى العناية الطبية، منهم العديد ممن يعانون أمراض مزمنة! هؤلاء وحسبما أُفدنا يتحمّلون مشقة الوصول إلى الحدود اللبنانية بعدما قُطعَت أواصر سوريا وغالبية طرقاتها المتعارف عليها، وحين يصلون بعد عشرين ساعةٍ مثلاً، يُطلب منهم الإنتظار لساعات وساعات على الحدود (أكثر من تسع ساعات متواصلة أحياناً)، والبعض منهم يُمنع دخولهم دون حق ويتخّذ بحقهم منع دخول إلى الأراضي اللبنانية لعام كامل، ما يعني أنّهُ حُكْمٌ بالإِعدام، مع تأجيل التنفيذ!
البعض أيضاً تعرّضوا لأقسى أنواع العنف اللفظي، وهناك أشخاصٌ رميوا بالماء ليتراجعوا عن الحدود، ونحن نتفهّم بأن الأمن العام اللبناني لا يمكن أن يستوعب الأعداد الهائلة القادمة إليه، لكن هناك حقوق إنسانٍ يجب أن تُراعى وهناك قرارات قانونية يجب أن تتّخذ كي لا يُحاكم الناس على الحدود وكأنّهم في قصر العدل، وكي لا تتخذ بحقهم قراراتٌ عشوائية!