الياس الرحباني عملاق الموسيقى العربية والعالمية، لم يحترف الموسيقى فقط، بل تراه متذوقاً للفلسفة عبر عالم التأمل الذي رسمه لنفسه والذي فاض على هيئة أنغام وكلمات دبج بعضاً منها في كتابه (الذئاب تصلي)، وهو ايضاً حريف السياسة بأرائه وصراحته التي تجذب الفقراء والصادقين، إلتقيته في الأيام الأخيرة من سنة 2014 وضمن برنامجي (دولة الإنسان) حيث كان حوارنا حول الموسيقى في دولة الانسان، إنتابني شعور غامر بالفرح لموافقته على اجراء الحوار، رسمت في مخيلتي شكل الحوار معه بإستحضار موسيقاه وكلماته ورؤياه الفلسفية للموسيقى، هكذا تخيلت الحوار وكان كذلك بل أكثر، وجدت أن حياة الياس الرحباني من ألفها الى ياءها تزخر بالموسيقى وأي موسيقى تلك التي تسافر على باخرة الإحساس وتفتح نوافذ الأمل لتكشف مساحات من الإحساس بالإنسانية لم تكتشف بعد، يقول الياس (الموسيقى تدخل في الكونية) فهي كما الواهب العام في أصناف الدم تدخل في كل شيء، الإنسان يحتاجها بمختلف مستوياته العمرية، الطفل الصبي الشاب الناضج الكهل من الرجال والنساء، حتى الطبيعة تتفاعل مع الموسيقى فهي إبنتها، وعالم الحيوان أيضاً يتأثر بها (أي الموسيقى) وكما يقول الياس إن في اليابان أصبحوا يضعون أسطوانات الموسيقى الراقية في حقول الأبقار ووجدوا إن إنتاجها من الحليب بدا أكثر كثافة وغزارة من إنتاجها قبل إستماعها للموسيقى، وفي ذلك أكثر من مؤشر، وذهب الياس أبعد من ذلك بل هو يذهب مذهب إبن خلدون في مقدمته عندما تحدث عن معيار عمران البلدان بتعدد وجود أماكن الموسيقى، وهنا يرى الياس ان بلدان الشرق العربي حتى إفريقيا غنية بالثروات الطبيعية من النفط والألماس والغاز والذهب، وهي عالم ثالث لأن موسيقاها متدنية من بعض الموسيقيين والمؤلفين، وياله من معيار جميل المس فيه صوفية الرومي وأستاذه في زاوية تحتاج إلى وقفة وتأمل، فالموسيقى عند الياس ثقافة ووعي تدخل في فلترة الضمائر وتخلصها من أورام العنف والحرب والدمار، والعلاج كما يقول الرحباني سهل جدا (منتج أخلاقي ومؤلف موسيقي جيد ومال قليل ويعود الخير إلى اوطاننا)، اليوم نحن بحاجة إلى موسيقى الياس لنألف درب السلام والحب، هذا الدرب الذي تحدث عنه الرب في كافة الدساتير السماوية، درب بُني على أوتار الحب للآخر كحبك لنفسك والعطاء دون أن تنتظر مفردة الشكر والثناء الذي يطيح بعرش القيمومة الإنسانية على الأشياء. أخيراً اقول : موسيقى توصلني إلى الرب خير من تأويل لنص مقدس يجعلني جلاد.