في أحد المقاهي التقيتها، وكان يرافقها إبنها الوحيد بول،
وكان واضحاً مدى تعلقها به، فهو بالنسبة إليها محور حياتها… وبقدر اهتمامها
بممارسة أمومتها والاستمتاع بهذا الشعور الذي تحار كيف تصفه، فإن الإعلامية بولا يعقوبيان
لا تنسى اهتمامها بالشق الإعلامي الذي هو جزء لا يتجزأ من حياتها، هي التي أمضت
فيه سنواتٍ طوالاً منذ كانت في السابعة عشرة من عمرها لغاية اليوم، وتذوقت مشاعر
النجاح والتألق، فاستطاعت أن ترسم لنفسها صورة تستحق التقدير والاحترام…
الشبكة: وقبل أن أسألها يفاجئنا بول البالغ من العمر ست
سنوات ونصف السنة بسؤال نحن الإثنتين فتعلّق بولا قائلة:
بولا: إنه فيلسوف…
الشبكة: مثلك، أم أنه يشبه والده في الفلسفة ؟
بولا: بيننا نحن الإثنين!
(وتضحك). كما تلاحظين، بين العمل (كانت عائدة للتو من مقابلة تلفزيونية) وبول
تختلط الأمور عليّ، فأنا لا أحب أن أترك ابني هنا وهناك، بل أحرص على أن اوصله
بنفسي الى المدرسة وأعود به، فهو يرافقني دائماً وأحاول أن أمضي معه أكبر وقت ممكن.
الشبكة: لماذا تردّدين دائماً انك تحاولين أن تمضي معه
أكبر وقت ممكن كأنه بالنسبة اليك هاجس؟
بولا: لأنه ابني الوحيد،
ونحن عائلة صغيرة، وأشعر بتعلّق كبير به. هو اكبر نعمة وهبني إياها الله، وأكثر
وقت استمتع به هو في أثناء وجودي إلى جانبه…
كل أمجاد الحياة وعظمتها توازي سعادة الوقت الذي أمضيه معه.
الشبكة: يسعده أن يشاهدك على التلفزيون؟
بولا: منذ ولادته يشاهدنا
أنا ووالده على التلفزيون، فهو اعتاد الأمر ولم يعد بالنسبة إليه شيئاً جديداً…
ناهيك بأننا نتعاطى السياسة، لذلك لا يهتم.
الشبكة: تفضلين ألا يختار الصحافة مهنة له مستقبلاً؟
بولا: صحيح، لأنها مهنة
المتاعب ولا تعطيك بقدر ما تعطيها. لذلك أفضّل أن يعمل في مجالٍ آخر، علماً أنني
أحب مهنتي. أتمنّى أن يكون بول سعيداً في أي مجال يختاره، فهو، مثلاً، يحب أن يكون
لاعب كرة قدم، وأنا أشجعه على ذلك، وأتمنّى أن يصبح لاعب كرة قدم محترفاً.
الشبكة: في لبنان؟
بولا: نحن نحرص على أن
يتدرب على مستوى عالمي، وآمل أن يكون لدينا فريق لبناني بالمستوى نفسه. آمل أن
يحقق هو وأصدقاؤه نقلة نوعية في مجال كرة القدم، ولا سيما أنهم يخضعون لتدريبات في
الخارج مع فرق عالمية… أحرص من خلال أسلوب تربيتي لإبني ألا أفرض عليه من يتزوج
أو أي اختصاص يدرس أو أي مهنة يمارسها. تهمني أولاً سعادته مهما تكن خياراته التي
لا شك في أنني سأدعمها.
الشبكة: ربما واجهت بدورك رفضاً ما وتحاولين اليوم أن…
بولا (مقاطعة) إطلاقاً.
عندما توفي والدي كنت صغيرة في السنّ، فتولت والدتي تربيتي، وأعطتني الحرية في
اختيار المهنة التي أريد. كذلك الرجل الذي تزوجته، على الرغم من أنه من ديانة
مغايرة… وآمل أن أنقل ما أعطته لي والدتي إلى اولادي… (تستدرك): لست صورة عن
العائلة اللبنانية التقليدية، بل لي هامش من الحرية الكبيرة، وأتمنّى أن أكون
نموذجاً في هذا الإطار للكثير من اللبنانيين.
الشبكة: لكن أحياناً قد لا تكون خيارات الأولاد صائبة!
بولا: وقد تكون أحياناً أخرى اكثر صواباً وأفضل من خيارات
ذويهم…
الشبكة: زوجك السيد موفق حرب يشاطرك آراءك في هذا المجال؟
بولا: بالتأكيد، وإلا لما التقينا… هو شخص منفتح ومثقف
جداً.
الشبكة: أحد الكتّاب يقول: السعادة هي في أن تعيشي مع
الشخص الذي تحبينه في البلد الذي تحبينه وتمارسين المهنة التي تحبين.
بولا: (ترسم ابتسامة عريضة) أرى أنّ السعادة أشبه بنوع من
السراب بالنسبة إلى البشر، ومهما حققوا من السعادة نظروا إلى أمور أخرى علّهم يجدون
فيها سعادة أكبر… وفي رأيي، السعادة هي في القناعة، لكن، للأسف، كل منّا يشعر “بإنو الدني مقصّرة معو“…
الشبكة: الزواج برجل من طائفة أخرى يدفعك إلى التقصير في
واجباتك تجاه ديانتك؟
بولا: لا علاقة للأمر بهذا
الموضوع… شو أنا عم بتزوج إنسان أم ديانة؟ أنا وموفق نتقاسم قيماً مشتركة هي، في
رأيي، أهم من الدين، فياما بإسم الدين عم يقتلوا ويدبحوا ويعملوا العمايل…
الشبكة: ما زلت تخضعين رجال السياسة للتدريب على كيفية
إلقاء الخطاب والظهور في اللقاءات التلفزيونية.
بولا: معظم زبائني هم من رجال الأعمال، والمدراء
التنفيذيين، وأدربهم على فن الإلقاء والمواجهة والأداء الأفضل.
الشبكة: مَن من السياسيين يخضعون للتدريبات على يديك؟
بولا: لا يمكنني الإفصاح عن
الأسماء، حتى إننا نوقع ورقة في هذا الشأن، للاحتفاظ بالسرية، وبدوره عليه أن
يتكتم عمّا يتلقنه من أمور خلال ساعات التدريب.
الشبكة: منذ سن الـ17 وأنت منصهرة في عالم الصحافة…
بولا: لا يمكن الإنسان أن
يعمل في مجال لا يكون ملمّاً فيه… والصحافيون
اليوم، في رأيي، ولا سيما في ما يتعلق بالنظرة والتحليل والمتابعة، هم أكثر
إلماماً بالسياسة من بعض السياسيين الذين يعتمدون على “المحدلة”
أو البوسطة أو حتى ولائهم للزعيم الأعلى أو أمواله للوصول إلى مناصبهم… بينما الصحافي عليه أن يحفر في الصخر
ليكون في المشهد السياسي، ويقرأ ويتابع ليلاً نهاراً، وبعض السياسيين لا يتابعون
حتى نشرات الأخبار.
الشبكة: أولم تفكري يوماً في خوض تجربة السياسة في
البرلمان ولا سيما أن ثمة نقصاً في العنصر النسائي…
بولا: للأسف. وتلك إهانة للمجتمع اللبناني بألا يكون ثمة
تمثيل نسائي في السياسة.
الشبكة: من هم السياسيون الذين قد لا تتوافقين معهم في
آرائهم، لكن لا يمكنك إلا أن تحبيهم؟
بولا: لا يمكنك أن تعملي
طوال 17 سنة في المجال السياسي ولا تجمعي صداقات مع أهل السياسة. بالتأكيد، لي
أصدقاء في هذا المجال، ولكن عندما أكون على الهواء أنسى تلك الصداقات وأراهم
بالمنظار نفسه.
الشبكة: مَن من السياسيين تحبين وتستلطفين ولا تؤيدين
آراءه أحياناً كثيرة؟
بولا: أحب كثيراً جبران
باسيل، هو صديق وأجد فيه الكثير من الصفات الجيدة، علماً أنه ليس في خط سياسي
مغاير لـ”المستقبل”. وئام وهاب أيضاً شخصية ظريفة، بصرف النظر عن آرائه
وتصريحاته، وهو يجذب المشاهد لمتابعته.
الشبكة: أجد مثلاً في الوزير السابق وئام وهاب أنه إذا خضع
للتدريبات قد لا يكون محبباً!
بولا: أصبتِ. إذا بتدربي
وئام وهاب بتنزعيه! (تضحك) ثمة شخصيات نجحت لأنها تتميز ببسمات معينة، تصوري مثلاً
أن تغيري في وليد جنبلاط، لن يكون هو.
الشبكة: التقيت الرئيس السابق جورج بوش. أحببته شخصياً؟
بولا: جداً… هو ظريف جداً ومتواضع إلى أقصى الحدود
ويتمتع بخفة ظل محببة.
الشبكة: تتحدثين بعض الشيء بالطريقة التي تتحدث بها النائب
ستريدا جعجع؟
بولا: (تبدو سعيدة بملاحظتي) حقاً! أسعدني الأمر، لأنني
أشعر بأن أسلوبها راقٍ ولائق… لو شبهتني بشخصية أخرى ربما لم يرقني الأمر.
الشبكة: لو شبهتك مثلاً بالنائب جيلبرت زوين…
بولا: مش سامعينا بعد عم تحكي، لنسمعا منبقى منحكم! (وتضحك
مطولاً)… هل سمعت صوتها يوماً؟
الشبكة: لم تقولي لي، هل لديك طموح سياسي؟
بولا: أفكر في الأمر
أحياناً، ولكن من الصعب علي أن اترشح للانتخابات، أولاً لأنه علي أن أتحدّث بلغة
الأكثرية، سواء أكانت محقة أم غير محقة، وأن أتماشى معها وأنطق بما يحلو لها أن
تسمع… وهذا ما يصعب علي فعله. معظم أفكاري تتناقض اليوم مع أفكار 90 في المئة من
عامة الشعب، فأية انتخابات أترشح لها؟
أنا مع أقلية صغيرة جداً تؤمن بلبنان علماني
“للعضم”، ليس فصل الدين عن الدولة فقط، ولكن منع تدخل رجال الدين في
السياسة. أرى في لبنان دولة مدنية، وقناعاتي تلتقي مع نسبة قليلة من الناس، ولي
أفكار سأبقى متمسكة بها مهما تعرّضت للنقد والشتائم، ولا يهمني إذا قيل عني خرجت من
القطيع، فلن أغير رأيي من أجل أي منصبٍ في العالم.
الشبكة: كيف هي علاقتك اليوم بمحطة “المستقبل”
التي تطلين من خلالها في برنامج “Future News”؟
بولا: ممتازة. لدينا اليوم
مدير للمحطة خلوق جداً ومحترم وراقٍ أتمنّى أن ينقل “المستقبل”
إلى المكان التي تستحقه. رمزي الجبيلي من الأشخاص الذين اراهن عليهم وأثق بأنه
قادر على إحداث نقلة نوعية.
الشبكة: لم أسألك، لماذا اخترت اسم بول لإبنك؟
بولا: كان خيار زوجي موفق،
فأنا كنت قد اقترحت اسم “آرام” لأنه أرمني وأحبه، فقال لي زوجي حرام
آرام… وقرر أن يسميه بول، فأعجبني الأمر، ودغدغني (نضحك)