فيروز التي طبعت فينا صوت البراءة وعنوان السلام.. فيروز صوت البشارة في زمن الرداءة.. فيروز التي ترغب ان تضمها لانها تيقظ فيك كل ضمير.. فيروز لا تأكل حق أحد.. صوتها الملائكي يسمعك قبل ان تسمعه .. صوتها النور المفتوح ككف ووجهها محجب بكل معاني الرجاء. هي العروس التي لا عروس لها.. هكذا هي فيروز بعيون عشاقها ومحبيها قد يتقبلون اي سقوط الا ان تمس فيروز فهي النقاء الباقي في كبريائنا وهي الايمان الباقي بوطننا .
“انا عصفورة الشمس انا زهرة الحرية ….” يصدح صوتها من بوابة المتحف الى مطالع الاشرفية وازقة منطقة بدارو . صوت فيروز الساطع اكثر من حر تموز يبلل بالندى والعرق جبين كل العشاق والادباء والصحافيين والاعلاميين والفنانين الذين حضروا الى المتحف الوطني متكئين على ادراج الزمن، لان صاحبة الزمن والتاريخ التي القت ارثها علينا ممنوعة من غناء فنها.
الساعة الثالثة والنصف من عشية يوم الاثنين في 26 تموز 2010ارتفعت الصرخة اكثر باتجاه من يريد ان يكم صاحبة الصوت لان هناك ارث واقف ولان “الكومبارس نهاد حداد “كما طاب للرحابنة الجدد ان يسمونها قد اخذت مستحقاتها ولا يحق لها ان تغني الا اذا سددت فواتيرها المستجدة .هكذا وصفها البيان الذي اتى من الثلاثي الرحباني مروان وغدي واوسامة .متناسين ان فيروز لم تعد الا ملك ناسها وارضها .الم يقل عنها انسي الحاج انها اهم من الحرية .فهي لبنان وهي فردوسنا الضائع .
هذه الفيروز التي وصفها سعيد عقل بانها تلويحة المجد وشمخة الجبين. هي السماء ان نسيت لبنان يقول الشاعر جورج شحادة فصوت فيروز يذكرنا بهذا الوطن الحبيب.
اعمدة المتحف الوطني وادراجه وجدرانه نظفت من الغبار بالبسة الذين اتوا ليقولوا بصمت وبصورة واحدة لفيروز غطت اعمدة المتحف العتيق ف”لولو “التي تعاني من ظلم الجائرين تعود في هيئة عشاقها الذين يريدون كشف الفساد في الفن وارث الوطن.
الاعلام هنا كثير والمثقفون اكثر ,فوجه لبنان الفيروزي يغيب وراء مرافعات وبيانات لم يفهم منها سوى المال وان تلطت بالقانون .المال سيد الحجة في الحرب التي اعلنت ضد فيروز .اعلنت بصمت لم نعرف بدايتها حتى الان لان السيدة صامتة وهي التي تعرف كيف تضم يديها وشفاهها كالمصلين والمترفعين .لكن للحب قوانينه وللعشاق قوانينيهم ايضا هكذا قال زياد برجي الفنان اللبناني الذي طالب بسن قانون يحمي ويرفع رموز لبنان من المس بهم كفيروز ووديع وملحم بركات.ومن له مستحقات مع فيروز لياتي وياخذها من كل الشعب اللبناني ونحن حاضرون للتسديد لكن فيروز لا احد يقترب منها او يطالبها بشيء لانها ايقونة الفن اللبناني .
امام المتحف ضجة اعلامية وصوت صادح وكلمة عالقة في الحلق للتي اشبعت الروح من الجوع وعلمت البصيرة مدارك الصدق .السيدة حاضرة بروحها وفنها ووجدانها ,هكذا صرخت صاحبة الثوب الازرق من ال حيدر: لبنان يا جماعة هو فيروز وليس منتجع للكباريات .كان من المفترض ان تمتلىء الساحات بالناس وان تغص الشوراع باسمها ,ماذا يبقى لنا لو فيروز قمعت الا يعرفوا ان فيروز في لبنان باهمية عبد الناصر في مصر .يباركها جورج ويقول من قال ان فيروز تخصهم فيروز لنا قبل ان نولد سمعت صوتها وانا في احشاء امي .من ينتزعها مني ساصرخ في وجهه حتى الموت .يطالبون بالمال ما هذه السخافة الا يدركون ان فيروز اهم من المال الا يعرفون ان صوتها لا يثمن .وانها من اهم القيم التي ربينا عليها وستبقى هي بوصلة الرشد عندنا.
في هذا الاعتصام العفوي كان الحشد الجماهيري ضيق ,لكن الحشد الثقافي والاعلامي كان مذهلا.عبده وازن من جريدة الحياة كان اول الحاضرين هو الحاضر الاول في الكتابة عن هذه القضية التي استفزته وكتب عنها لان ما يحدث لا يدخل في عقل وهناك حقيقة يجب ان تعرف كما قال. نضال الاحمدية افترشت الارض هنا وهي التي فرشت النبرة العالية وانضمت مع الفيروزيون حول كلمة ارادتها بوقا في وجه من يمس ملكة” بترا “وطالبت بالسجن لهؤلاء الذين يمسون بها .وعذرت الفنانين الذين لم يحضروا بانهم سيتضايقون في هذا الحر ويخرب مكياجهم.
الهام شاهين النجمة المصرية حضرت خصيصا من مصر الى بيروت من اجل المشاركة في هذا الاعتصام تعبيرا عن حب فيروز فهي التي ترى في صوتها مجد لبنان وكل العرب ,وبانها درة الشرق ولا يجوز الا ان نرفعها مصباحا فوق ايامنا فمصباح فيروز لا يطفأ.
الممثلة رولا حمادة استهجنت واستغربت كيف تمنع فيروز من الغناء التي وصلت الى قلوبنا قبل ان نولد .فلا لبنان ولا فن ولا ما يحزنون بدون فيروزنا.ولم تشأ رولا حمادة ان توجه اي كلمة الى اصحاب النزاع لان فيروز فوق النزاعات وفوق المال وفوق المادة.بسام براك وجورج صليبا الاعلاميين في مجال السياسة اعتبرا ان حب فيروز فوق الحرب والتناتش فهي حفرت حبها في القلوب وباتت منسية في الداخل وموشومة في اعماقنا ووجداننا معتبرا براك ان النزاعات العائلية قد تحل وتعالج ولكن فيروز دوما في منأى عن كل ذلك لانها ارفع من كل ذلك.
حضور جوليا بطرس كان نوعياً لان الفنانون اللبنانيون الذين حضروا لم يكونوا كثرة اذا استثنينا منهم رولا سعد وزياد برجي وبعض الممثلين من بينهم كلوديا مرشليان كاتبة التاريخ والدراما والقصص الاجتماعية رفعت لوحة كبيرة لفيروز ورفعت صوتها حتى اصبح بعلو جبال الصوان.تقول هواء فيروز لا يخنق وطن فيروز لا يسحق والاغبياء وحدهم يظنون ان الانتصار على فيروز ممكنا .فصوتها راية مرفوعة في وجداننا وثقافتنا .
ريما الرحباني ابنة السيدة فيروز حضرت متاخرة قليلا عن الموعد المحدد .اتت متأبطة الصمت المطبق .بلعت بريقها مرات عديدة امام الصحافة .وكانها بصمتها تمد جسور والدتها نحو الكلام البليغ والموقف الرفيع .قالت ريما انا اتية لاستمع الى اغاني فيروز بينكم وبدعوة من الفيروزيين .انا هنا لاقف بينكم وليس الوقت للكلام وعند سؤالها عن زياد قالت انه بخير وبصحة جيدة وعمله الجديد سيعلن عنه في حينه.ارجوكم قالتها بخفر لا اريد التحدث باي شيء ولا اريد انتزاع اي كلام مني .
هذا الاعتصام الذي اتى كاستنفار اول بعد ان استنفرت الصحافة اللبنانية والعربية باتجاه كل من يمس فيروز .وكما قالت جوليا بطرس فيروز لا توقف عن الغناء ولا احد يستطيع ذلك ولم تقبل ان توجه اي كلمة الى الرحابنة الثلاثة لان ما يهمها هو فيروز وحسب فهي التي تعنينا وما دونها لا تعليق عليه.
ما لا يعرفه الثلاثي الرحباني بان صوت فيروز هو الحنين واسكات الحنين مؤلم .ومن يختنق بحنينه قد يشعل نارا غير مكترسا بالقوانين.عندما يعرف الثلاثي ان اي صوت هو ناقص امام صوتها .وان اي مكان يشع منه هذا الصوت يصبح وطنا سيعرفون انهم خنقوا الوطن في كازينو لبنان وما زالوا يخنقونه وهذه الفعلة لن يغفرها لهم الزمن .