إذا ما سألت أحدهم عن صناعة السينما في لبنان تعجب مرتين، مرة لذكر كلمة صناعة التي يحاول بعض أبناء هذا الوطن إنعاشها بعد ولادة قيصرية عسكرية عسيرة… أما و قد تقبل الكلمة الأولى، فعبارة سينما لا تزال نسبيا غريبة فيما لو استثنينا تجارب عدد من المخرجين، عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة…
و ها هي واحدة من بين كثر ترفع الرايتين… تكسر المحظورات و تسحق فصام المجتمع اللبناني… ليال راجحة، مخرجة ليست بجديدة… أرشيفها الكليبي محدود، إنتاجاتها السابقة محدودة، عملاؤها محدودون… إلا أنها تتمتع برؤية و إحساس و مهنية بلا حدود…
أذكر أنني التقيتها للمرة الأولى خلال تصوير عملا فنيا للمطربة ليلى اسكندر… يومها، و خلال دردشات الراحة مع ليلى و التي لم تجد لها (أي الراحة) مكانا في جيوب ليال، أذكر أنني قلت لفنانتنا “صوتك خارق، ليال و مما رأيته حتى الآن ستطير بك إلى ما وراء الصورة لتجعل منك فنانة خارقة”…
يوم رقصت الدبكة و أنا جالس أثناء مشاهدتي لفيلم البوسطة للمبدع فيليب عرقتنجي، يومها اتخذت قرار دعم أي إنتاج فني سينمائي عبر “تجميع” بوسطة من الأصدقاء… و كم هم كثر وقت اللعب و التسلية… و تتالت التجارب، بعضها مخيبا للآمال، قليلها مدغدغا للمشاعر… و بات وهج رقصي يخفت إلى ان أصبحت شبه مقعد، لا يرف لي جفن، سجين قاعة حمراء على ألوان كراسيها، و ربما تكون حمراء لكثرة المشاهد الحمراء..و كأن هذه الأخيرة أمست جزءا لا يتجزأ من صناعة السينما (لبنانية، مصرية، و حتى غربية) على الطريقة اللبنانية… أحاول العودة بالذاكرة ليتسنى لي تسمية عمل ما و لكن عبثا… وحده فيلم “أديم” لعادل سرحان يبقى عالقا متشبسا بقيمي اللبنانية العربية..صغيرة مدته الزمني، كبيرا تأثيره الباطني…
و ها أنا أتعجب لقلمي بعد مشاهدتي لفيلم ليال راجحة “حبة لولو”… أويستكثر علي بضع كلمات أصيغ بها إنحنائي لهذا العمل؟ حبة لولو هو النسخة اللبنانية من قصة “الأمير الصغير” الفرنسية الشهيرة…نسخة نعم و ذلك من الزاوية النفسية و الداخلية… يمكنك مشاهدة حبة لولو متى تشاء و حيث تشاء..لأنك و في كل مرة تكون الرسالة مختلفة عن سابقتها…هذا العمل ينسج علاقة متينة في الإتجاهين بين العقل الباطني و عالم اللاوعي و بين الحياة اليومية التي نعيشها بحلوها و مرها… يمكنك مشاهدة حبة لولو مهما كان عمرك الحقيقي أو الدماغي… لأنك و في كل مرة تستخلص عبرا تتلاءم و قدراتك الذهنية و الإجتماعية…
النساء أبدعن في حبة لولو… النساء توهجن… قدمن نموذجا حقيقيا للمرأة التي يريدها المجتمع و يرفضها في آن واحد… و أبدا لم يهاجمن الرجل كما قد يدعي البعض… إنما تهجمن على النزعة الذكورية التي أتت بالحرب و الغدر بالإنسان… النزعة الذكورية التي أتت على الأنوثة و الأمومة في آن واحد (و حتما بعيدا عن أمومة المعتدي)… النزعة الذكورية التي و إن صقلها المجتمع جيدا انحنت للحب و احترام الكرامات… الكرامات التي لا تقاضيها بعد الله سوى الذات… و من كان منكم بلا خطيئة فليرجم تلك الذات… و للتذكير فقط، اللولو من أغلى الكماليات… و من كان منكم بلا ذاكرة فليعود إلى تاريخ اللولو… و كيف استطاعت الصدفة (جميلة أم مقرفة) أن ترتقي بـ”الكمخة” إلى حبة لولو سارع الكل إلى إقتنائها لأنها ثمينة…
أنا حبيت لولو … لأنها أطهر “كمخة” دغدغت إنسانيتي و جعلتني لا أرى جمال نساء حياتي إلا من خلال حبة لولو…
[youtube]http://youtu.be/vdXExtwCPYc[/youtube]