خاص- قرنٌ مضى على صحوة الضمير العالمي حيال الحيف والظلم الذي مازالت تعاني منه ملايين النساء حول العالم… مئة عام على «يوم المرأة العالمي»… فمبروك! ولكن السؤال الذي نتحول إلى طرحه، لا إجابة عنه، لأنه ومع التطور الإجتماعي الحاصل، والمسافة الكبيرة لتي قطعتها المرأة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً وإنسانياً، لا تزال تُعاني من “الفوقية”، وخلق الفوارق التي تفصلها وتميز العنصر الذكري عنها، كما في ميادين العمل والإقتراع، ناهيك عن قضايا الهوية والجنس والحقوق الجسدية والأمن الشخصي على إختلاف وتباين أوجهها…
وهكذا كانت البداية…
يحتفل العالم بأسره، في الثامن من آذار/مارس من كل عام، باليوم العالمي للمرأة. ويُصادف هذا العام، الذكرى المئوية الأولى لهذه الإحتفالية، والتي تعود بداياتها إلى العام 1909، حسبما تذكره مصادر متفرقة، بيد أن الأصل كان في العام 1857، مع أول مظاهرة لآلاف النساء اللواتي خرجن إلى شوارع نيويورك، إحتجاجا على الظروف اللاإنسانية؛ بحيث كن يُجبرن على العمل المتواصل تحت شروط تعجيزية لا تمت للحس الإنساني بصلةٍ، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات، إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة ليتم بعد ذلك، تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية.
وفي الثامن من آذار/مارس من العام 1908، عادت المظاهرات النسائية لتعم شوارع المدينة، في حركة إحتجاجية أطلقن عليها شعار “خبز وورود”، وقد طالبن بتخفيض ساعات العمل، ووقف عمل الأطفال والقاصرين، إلى جانب منح النساء حق الاقتراع؛ شكلت مُظاهرات “الخبز والورود” بداية لتكوين حركة نسوية ناشطة داخل الولايات المتحدة، سيما وأن نساءً من الطبقة المتوسطة، إخترن الإنخراط في صفوف هذه الموجة المطالبة بالمساواة.
ومنذ ذلك الحين كان الإحتفال باليوم العالمي للمرأة الأميركية، تخليداً لهذه المظاهرات، وقد لعبت النساء الأميركيات دوراً مهما على صعيد دفع الدول الأروبية إلى تعيين التاريخ عينه كيوم للمرأة، وذلك خلال مؤتمر كوبنهاغن في الدانمارك، والذي إستضاف مندوبات من سبعة عشر دولة، ليتم تبني اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة، وبدأ العمل بموجب ذلك الإقتراح في العام 1977، مع إصدار المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار تاريخ الثامن من آذار/مارس. وقد بات إحتفال العالم في هذا النهار موجها إلى التنويه بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء، كما أن بعض الدول كالصين، روسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم.
أما اليوم…
رافقت هذا المسار المئوي، تغيرات جذرية، وملحوظة في العلاقة المتفاعلة بين العِلم، الثقافة، الإنفتاح والإطلاع من جهة والكيان النسوي من جهة أخرى، منوهين أن “النسوية” حركة إجتماعية (وهمية) قامت للتعبير عن مطالب المرأة وإقصاءها عن خانة “العدم” ورفها إلى مقام إجتماعي يليق بها، فلا يسهل تناول هذا المسار من مناحيه كافة، لأنه وحتى كتابة هذه السطور، في القرى النائية نساء يعشن الحرمان بدرجات متقدمة، ينهمكن في الأمور المنزلية والتربية، والمهمة الوحيدة لهن ما يُعرف بكونها “the progenitor“، كما صُوِر لنا ذلك في كتب المطالعة والقصص والقراءة… ولكن الواقع يعكس صورة مغايرة!
والاحتفال بيوم المرأة ليس حكراً على ثقافة او مجتمع ، وإنما تقام الاحتفالات بهذه المناسبة في كل أرجاء العالم، وتكرم به المرأة الأم والزوجة والأخت والابنة وزميلة العمل. ومن المتعارف عليه في يوم كهذا ، أن تقوم المنظمات والحكومات والجماعات النسائية في جميع أنحاء العالم على اختيار شعارات مختلفة كل عام تعكس قضايا المساواة بين الجنسين العالمية والمحلية، وقد إختارت منظمة الأمم المتحدة هذا العام شعار ” اتحاد الرجال والنساء لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات”. ولا تزال بعض الدول حتى يومنا هذا، تمنح النساء إجازة من العمل في هذا اليوم، وخصص للمرأة العربية يوم الأول من شباط في كل عام، ليكون “يوم المرأة العربية”.
أما على الصعيد العربي، فقد أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري بيانا اليوم، بمناسبة “اليوم العالمي للمرأة”، قال فيه:”يحتفل العالم في 8 آذار من كل عام بيوم المرأة العالمي، وإنها لمناسبة مميزة هذا العام في عالمنا العربي، حيث أثبتت المرأة العربية كفاءتها وجدارتها وجرأتها وكانت السباقة في تنظيم وقيادة التظاهرات والمطالبة بالحرية والكرامة والعيش الكريم” (…) وبالتزامن مع تصاعد الثورة الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، دعا تحالف “وطن” لمسيرة حاشدة عصر الثلاثاء، إلى ساحة التغيير في جامعة صنعاء، دعما للثورة الشعبية، وقد أعلنت نساء التغيير في التحالف، دعمهن للثورة و يؤكدن إنها ثورة لن تسقط فيها حقوق النساء، هذا وقد جدد تحالف “وطن” مطالبه بالحقوق المتساوية للنساء، و يذكر بحقوق اليمنيات… في حين، يحتفل مسرح البلد وشبكة آت في عمان، بيوم المرأة العالمي، من خلال تنظيم مهرجان يشتمل على العديد من الفعاليات تنطلق غداً بعرض مجموعة من الأفلام التي تتمحور حول يوميات النساء العربيات من جنسيات مختلفة… وفي فلسطين المحتلة، شاركت مئات الفلسطينيات اليوم في مسيرة كبيرة دعا إليها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عند حاجز قلنديا شمال القدس المحتلة، ورفعت المشاركات في المسيرة العلم الوطني الفلسطيني إلى جانب لافتات تدعو إلى إنهاء الانقسام وإنهاء الاحتلال… وتنظم بلدية دبي اليوم احتفالا بمناسبة يوم المرأة العالمي حيث ركزت فعاليات الاحتفال على سلامة المواد الاستهلاكية وإجراء فحوصات على كريمات التبييض لاختبار مدى سلامتها للاستهلاك الآدمي وتأثيرها على صحة المرأة… وتكر السُبحة في أنشطة نسائية متنوعة منها ثقافية، رياضية، فنية وإجتماعية…
خلاصة القول، فالمرأة عنصر أساسي في الكيان الإجتماعي الفردي والجماعي، ولا يمكن قمعها أو الإستغناء عنها في مواضع عدة، إلا أن التفكير “الرجعي” التقليدي يحول إلى منعها من التقدم خوفا من أن تصبح “العصمة” بيدها وتتغلب على الرجل… “ويا حيف عالرجال”!