حالف أوريك إللي ما شفتوش… فصدق!
“… حالف أوريك إللي ما شفتوش…”، جملة تترد في لازمة أغنية الفنان زياد ماهر “سيبك إنت”، والتي فعلا “حطت الإصبع على الجرح”، ولكن بإبهار لا متناهي، وكأن المخرج وليد ناصيف ومعاونوه في الكليب، إستهزأوا بوقعنا فجملوه لكي يبدو أجمل في عيون الغير… فهذا “الغير” والذي لا يُدرك، حتى اليوم، أن مع إندثار آخر ذرات النهار تبدو الحياة بنصفها الآخر، مختلفة، بعيدة كل البعد عن المشاكل والمعضلات، فاتنة ساحرة بألوانها ومفاعيلها!
زياد والذي إعتدنا عليه رومنسياً، هادئاً وحالماً، كسر لنا هذه الصورة مبدداً الرومنسية بصورة “متطرفة” تحمل في ثناياها “فجور” وسرائر الليالي، والتي لا بد منها إلا أن تكون حمراء بلون وصمات العار، زرقاء تخفي العُكر، خضراء فيها أملٌ وصفراء لمجدٍ باطل مادي فاني يُشبع العين مشاهد أسدلنا عليها الستار أو إذا صح التعبير غضينا الطرف عنها، لأنها فعلاً تعكس الـ”أنا” الجماعية، والتي يذوب فيها كيان الفرد الواحد الأحادي ويذوب كقطعة سُكرٍ في زجاجة ماء صافٍ عولت إلى تعكيره، ولا تستغرب موضع الألوان هنا، لأنها وبغزارة تغلب على الصورة، فلـ”ربما” كانت لتلطيفها… ولم يتوارَ المدير الفني، شريف ترحيني على ترجمة الأفكار وتفكيكها في ألوان مميزة صاخبة تارةً ودافئة طوراً، ففي إنعكاسها وتناقضها حلاوة فيها ما يكفي حتى تبهرك، وتشتت لو قليلا تفكيرك… أما على صعيد إنتقاء مكان التصوير، وتوزيع العناصر المكونة على المساحة، فكان موفقا فمع تنوع الوجوه من كومبارس وكاست، كما بساطة اللوك لكل من الممثلين وزياد يُظهر إتقانا لتفاصيل المشهد…
إزدواجية في السمات ومعاني الصورة… هادفة بناءة!
لن يطول الحديث للولوج في تفاصيل المشهدية الرائعة في تقنياتها والتي تحمل فنتازيا الغرب مع بصمات مشرقية، تحمل الـ taboo وتجعل منه أمرٌ مُشاعٌ مباح محلل، ولا عجب أن يكون مستهل الكليب، رسالة جنسية- مثلية “هادفة” – ونشدد على الإزدواجية في السمات لكلمة هادفة- لأن ما من أمر أخفيناه عن أعين الناس بات محرماً وحرام، ليظهر إلى العلن ويبقى مرفوضا، والأدهى مكان تصوير هذا المشهد، أو هذه الإفتتاحية، والتي تجتذبك إن كنتَ معارضا مغايراً أو موالياً في أفهومك الإجتماعي؛ وليكون التركيز على موضع الحدث “المرحاض الأحمر” وبنطال الـ jeans لزياد والذي نراه يجمع الأزرار بالعراوي، في إشارات سيميائية إيحائية (…)عدا عن ذلك، هناك حضور للثنائية الجنسية، حيث تخرج فتاتين الذراع بالذراع لتقبل إحداهما زياد وقد ملأت وجهها ملامح الـ”فجور” (ولا يتم إيراد عبارة تُخل في آداب تحليلنا وتخشد شفافية سياقه).
زياد ماهر… DJ “متشاءل”… ونقطة إيجابية لتقنية وحرفية وليد ناصيف!
لطالما طالب المشاهد بأن يكون كلام الأغنية متطابقاً ومتماشيا وصورية ومشهدية الكليب، وقد رضخ المخرج وليد ناصيف للأمر محولاً زياد إلى DJ ملامحه تشاؤلية، فهو طوراً يلعب أجمل الألحان ونراه مندمجاً أكثر في الأجواء الراقصة، وطوراً في “مراحيض النادي”، أو يُراقص الصبايا واللواتي لم يتوارين على الظهور في حلة “ليلية لبنانية” بحتة، فيها ما يكفي من الإشارات والدلالات إلى تحول مجتمعنا وتوجهاته، ووقوعه أسير المطبات الغربية!
جميلٌ جدا كيف إعتمد المخرج لقطات عديدة close up على وجه زياد وعيونه والقرط في أذنه الأيسر يُشير ويُعاكس “المثلية في المشهد الأول”؛ لأن وبحسب دراسة مواضع الأقراط فلدى الشبان وعند وضع القرط في الأذن اليُمنى إشارة إلى المثلية، أما في اليسار فهي دليل على رجولة تُجاري الموضة، وسيل التناقضات في الرقص وإمتزاجها بسادية الرجل في القفص المُضاء.
ونبقى في الإستنباط والدلالات، في موضوع “السادية” (والتي لا يمكننا نعتها إلا بذلك، بيد أن دلالتها الأفهومية مغايرة وبعيدة عن المفهوم السائد) والتعنيف والذي يظهر في أماكن عديدة كما السلاسل المعدنية وربط الرجل بحديد الزنزانة، ولكن ما يبرز جليا معاكس لقوام الثقافة العربية هو إحتساء زياد من كأس الفتاة الراقصة؛ فقد يدل ذلك على حميمية تربط الشاب بالفتاة فيُشاركها “كأسها” ولو في معانٍ مجازية، لا يمكن للمشاهد صرف الإنتباه عنها…
في الربع الأخير من الكليب، جولة سريعة على عار الحياة والمجتمع برمته، فبين مشاهد النقصية الشعبية -القمار- والفتاة في “المغطس الوردي”، الشاب والفتاة وقالب الحلوى مع شمعة 69 ودلالات جنسية لا يمكن الإستغناء عنها، وتغميس الأصابع بكريما القالب، إلى جانب علاقة الـ Master و الـ Slave في حركات وموضوعات جنسية، وكأن المرأة “مستعبِدة” والرجل “مستعبَد”، وتكتفي العين بهذه الجرعة من التسليطات غير العشوائية الصائبة. ولا ننسى العودة إلى “زبدة مشاهد الكليب” في مشهد “رفع الـ zipper” ولكن هذه المرة لملاقاة وتقبيل فتاة عاشقة… وما أدهاكم!
شُكراً… على هذه الصورة “المجملة” عن حياة الليل!
وكما أشرنا أعلاه، نقيصة ووصمات عار المجتمع أمستا مهزلة وكرة في مضرب وليد ناصيف، والذي عكس حياة الليل والترف بصورة مجملة إلى حد معين، وشكرا له لأنه أرانا وقائع “كُنا” بعيدين كل البعد عنها! إرغام الطرح للأفكار “الجريئة” حال إلى تمنع المشاهد بالتلذذ بدفئ صوته، فقد ذُهلت في بعض الأحيان وإسذكرتُ فيديو كليب للنجمة Lady Gaga والذي حمل عنوان “Alejandro” والذي فتح أبواب وآفاق النقد عليها على مصرعيها!
خلاصة القول، أن الإفراط في جرعة الإبهار قد يخدش حياء من يُشاهد “ولسه ما قب على وش الدنيا” كما يقول المصريون، وما ينعكس سلبا على صورة زياد الفنية في مسيرته والإصدارات المقبلة، ليكون هو أيضا موضع جدل في طرحه القوي هذا، وأعتقد يا زياد أنك “بدك تاكل حصرم”… و”مش تقتل الناطور”!… ولكن لا يمكننا غض الطرف عن حرفيته وجرأته في تأدية المشاهد، كما “نرفع القبعة” للمخرج وليد ناصيف وطاقم العمل الذي إنكب على تنفيذ الفكرة بتفاصيلها!