في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، تحتفل الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بكل فخر واعتزاز بيوم الشرطة العربية الذي يخلد حدثاً عظيماً في مسيرة العمل الأمني العربي المشترك هو انعقاد أول مؤتمر لقادة الشرطة والأمن العرب بمدينة العين بدولة الامارات العربية المتحدة عام 1972م، والذي يشكل فرصة لتقدير التضحيات الجسيمة التي يقدمها رجال الشرطة والأمن، والجهود المضنية التي تبذلها الأجهزة الأمنية في سبيل أمن مواطنينا واستقرار أوطاننا ومحاربة قوى الشر والإجرام لتعم السكينة في مجتمعاتنا العربية كافة.
ويأتي الاحتفال بيوم الشرطة العربية لهذا العام، وبعض دولنا العربية ما تزال في معركة مستمرة ضد قوى الارهاب والتطرف المقيت والطائفية البغيضة التي تسعى جاهدة للنخر في جسد مجتمعاتنا والنيل من وحدتها بعد أن عاشت قروناً طويلة من الانسجام والتعايش السلمي رغم تعدد الديانات السماوية واختلاف المذاهب العقائدية وتنوع الملل والنحل وتعدد الأعراق والأجناس.
تحل علينا هذه الذكرى ومنطقتنا العربية تشهد تفاقماً في الأعمال الإرهابية وتزايداً في نشاطات الجماعات المتطرفة الموجهة ضد رجال الأمن والشرطة البواسل حماة الوطن، وضد المدنيين الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم تواجدوا في أماكن عيشهم وفي محال أعمالهم، لتزهق أرواحهم الطاهرة عبثاً أمام قوى الشر والإرهاب التي جعلت منهم حطباً لحربها الشعواء ضد مقدرات الشعوب والأوطان، غير آبهة بمبادئ الإسلام وسائر الديانات السماوية السمحة الغرّاء والمواثيق والأعراف الإنسانية التي تجرّم أفعالها الإرهابية المقيتة وتدعو للتعايش والتآلف والتسامح والاعتدال والوسطية.
ولئن كان خطاب التطرف المقيت والطائفية البغيضة هو المغذي الرئيس لعصابات الارهاب والإجرام المنظم، فإنه ليس التهديد الوحيد في المشهد الأمني العربي اليوم، فالأحداث التي نراها في بعض دولنا العربية تؤكد وجود مخطط اقليمي لضرب أواصر الأخوة والمحبة واللحمة بين شعوبنا، وزعزعة الأمن والاستقرار في أوطاننا، وشرخ وحدة وترابط مجتمعاتنا وتعطيل عجلة التنمية على كافة الأصعدة، وما العصابات الإرهابية التي تتخذ من الخطاب الطائفي المتطرف البغيض عنواناً لأعمالها الإرهابية إلا وسيلة رخيصة لتحقيق تلك الأهداف الدنيئة.
وقد حرص مجلس وزراء الداخلية العرب الذي كان له السبق في التحذير من ظاهرة الإرهاب والأخطار الكبيرة التي تشكلها، انطلاقاً من مسؤوليته تجاه أمن مجتمعاتنا العربية، على حشد كل الطاقات وتوحيد جهود كافة الجهات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني نحو مواجهة فعالة لهذه الآفة، وتحقيقاً لذلك أعلن المجلس بناء على توصية من قادة الشرطة والأمن العرب عام 2016، سنة عربية لمواجهة الإرهاب، لتكون بذلك مناسبة لتعزيز برامج التوعية لتحصين الشباب من السقوط ضحية للتنظيمات الإرهابية، والقضاء على العوامل التي تغذي الإرهاب بما في ذلك تجفيف منابعه الفكرية المرتكزة على العنف والتطرف والغلو، الى جانب المكافحة العملية من خلال الحد من انتقال المقاتلين الى بؤر الصراع والتوتر، وتجفيف مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية، والعمل على تعزيز التعاون العربي – الدولي وزيادة التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية على المستوى العربي والدولي للحد من هذه الآفة.
لذا، فإنه يتحتم علينا اكثر من أي وقت مضى بذل جهود مضاعفة لمحاربة الإرهاب والجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار، والوقوف صفاً واحداً أمام خطاب الكراهية والطائفية والتطرف، والعمل على توعية المجتمع بكل فئاته ومكوناته بالمخاطر الأمنية المحدقة به، وهي مسؤولية يتقاسمها الجميع مع مسؤولي أجهزة الأمن ورجال الشرطة، الذين لا يألون جهداً في بذل الغالي والنفيس للقيام بواجبهم المقدس وأداء رسالتهم النبيلة، ويبقى دور المواطن هو الدور المحوري والفاعل في التعاون مع رجال الأمن والشرطة والتواصل المستمر مع الأجهزة الأمنية التي تعد العين الساهرة لحماية وطنه ولأمنه واستقراره.
ويحدونا الأمل في أن يدرك أبناؤنا وشبابنا مخاطر الفكر الضال الذي يستهدف فطرتهم السليمة وفكرهم السويُ اكثر من أي فئة أخرى في المجتمع، فعصابات الإرهاب والجريمة ما فتئت تستغل حماسهم الشديد واندفاعهم القوي نحو المستقبل لتحقيق مآربها الظلامية، مستفيدة من التطور التكنولوجي خاصة في مجال الاتصالات والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في بث سمومها واصطياد ضحاياها. ونحن على ثقة من قدرة أبنائنا وشبابنا على مواجهة هذا الفكر الضال بفكر نيرٍ سوي يبدد حججه الواهية ويفضح أفعاله الاجرامية الشنيعة، والمشاركة الناجعة في الحفاظ على أمن المجتمع والاسهام الفاعل في نهضة الوطن وتطوره وازدهاره.