اليكم صفحات مختارة من كتاب الشاعر نجيب بن علي الأخير “دراسة ميدانية حول الإعلام الأميركي”:
صفحات 91/92/93:
من الناحية العملية، لا يمكن إزالة الصور النمطية بين عشية و ضحاها. مثلما تأخذ هذه الصور وقتاً للانتشار تحتاج إلى الوقت حتى تتلاشى. تشويه صورة مجموعة عرقية أسهل مما قد يتصور المرء لكن تحسين الصورة و إزالة الشوائب يأخذ وقتاً أطول ولا يكون مضموناً عادة. ما ينبغي القيام به في هذه الحالة يتلخص في التالي: يجب أن نبدأ في البحث عن حلول عملية و ذلك بعد توصيف دقيق للمشكل.
البداية تكون بحماية عقول الأطفال من القوالب النمطية بدلا من مكافحتها لاحقا. سيكون من السخف أن تطلب من الغرب وأمريكا رمي جميع أعمال المستشرقين و كتب أدب الرحلة التي كونت فكرتهم العنصرية تجاه العرب، ولكن من الممكن ملاحقة منتجي الأفلام أو الصحافيين الذين يسيئون للعرب أو العالم العربي قضائياً لكي يعتبر غيرهم و يكفوا عن تشويه صورة العرب في أمريكا. مؤسسات التعليم، والمؤسسات الدينية والسياسيون والمكونات الأخرى للمجتمع شاركت في تأجيج هذه الظاهرة السلبية من الصور النمطية، وعلى هؤلاء جميعاً تقع مسؤولية أخلاقية في الحرب على تلك القوالب النمطية التي اخترعوها. من العقلانية أن نعترف بعدم إمكانية القضاء على كل القوالب النمطية لكونها تبقى رغم كل شيء في الأذهان و تنتقل من عصر لعصر لكن من الممكن أن نقلل من وطأتها وعلانيتها وتأثيرها على أطفال اليوم رجال المستقبل و هنا يكمن الفرق بين الحلم و الطموح.
صحيح أنّ للأمريكي صورة نمطية عن العربي و لكن للعربي صورة نمطية عن تلك الصورة النمطية أيضاً بمعنى أننا نبالغ في تصور حجم الكره و العنصرية و سوء النظرة الأمريكية للعرب و هذا ما أثبته المسح و دلت علية الحوارات التي قمت بها. فنتائجها لم تكن مطابقة تماماً لتصوراتنا عن مدى سوء تلك النظرة الأمريكية للعرب.
لقد أصررت أيضاً على تعدد المصادر والنظريات والمنهجيات، وأساليب الكتابة. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت في تحليل المحتوى كتبا لكتاب من في خلفيات متعددة . حاولت أيضا أن تتراوح الصياغة الأسلوبية بين التحليل و النقد و التبسيط مرات أخرى.
بالعودة إلى والتر ليبمان أؤكد أّنّ بحثي هذا كان محاولة لربط التحليل بالواقع من اجل تغييره و هذا في رأيي مقياس الأصالة و الجدّة و الجدية في البحث العلمي خصوصاً إذا تعلق بالبحث في الإعلام. أكرر وأقول إني ركزت عملي على بعض الصور وبعض من دوافعها، وبعض من آثارها وبعض الحلول الممكنة و لا ادعي الإلمام بكل جوانب الموضوع الذي يتسع لمجالات أرحب في البحث.
الصورة لا تكون و لم تكن و لن تكون الشيء ذاته لأنها ببساطة صورة لا غير. مجرد الاعتماد على وسيلة ما في رؤية شيء ما يجعلنا في علاقة ثلاثية الأطراف تقف الوسيلة ناقلاً و حاجزاً في الوقت ذاته أي عاملاً مساعداً و عاملاً مضللاً في الآن ذاته. فلكأنّ و سائل الإعلام شرّ لا بد منه. وسائل الإعلام ولدت منذ اللحظة الأولى التي احتاج فيها الإنسان و فكّر و بدأ في التواصل مع غيره.
وسائل الإعلام في شكلها الحديث بدأت مع اختراع الطباعة وتم تطويرها مع الثورة الصناعية، ولكن في جميع العصور كانت هناك وسائل إعلام بمحاسنها و مساوئها. للإغريق والرومان، والعرب، والصينيين وغيرهم كانت هناك وسائل إعلام خاصة ترجمت عصرها وعبرت عنه. ألم يكن المتنبي بمثابة وزير إعلام لسيف الدولة؟ انه من غير المجدي و من السخف التفكير في عالم خال من وسائل الإعلام بمجرد كونها منحازة نوعاً ما أو لكونها تدخل في إطار تجاذبات سياسية و إيديولوجية ما. إن رؤية متفائلة وواقعية تكون في محاولة تغيير وسائل الإعلام وتحسينها و عدم تقديسها أو تنزيهها تنزيها مطلقاً.
”هذا التحدي [تمثيل أفضل للعرب] في وسائل الإعلام الأميركية ليس بالصعب نظراً لما يميز الصحافة الأمريكية على مرّ التاريخ من سعي إلى الإنصاف و التجرد”. بالنسبة لإدموند غريب، الأمل جائز في مجتمع ذو طبيعة منفتحة حرة وديمقراطية و الأمل هنا يعني الثقة في قابلية وسائل الإعلام الأمريكية للنقد و التطور. على الرغم من كل ما قيل وثبت فان أمريكا تبقى بلداً ديمقراطياً و الديموقراطية التي سمحت في وقت ما للبعض باستغلال حرية التعبير للإساءة للبعض الآخر هي نفس الديموقراطية التي تسمح بالرد و التصحيح و مقارعة الحجة بالحجة. قابلية الإعلام الأمريكي لاستيعاب أصوات جديدة و رؤى مختلفة يدخل في كنه الشخصية الأمريكية القائمة على الاختلاف. في هذا الصدد تحديداً فإنّ العرب هم أول من عليه الرد على تلك الصور النمطية بطريقة إيجابية من خلال الضغط وإنشاء وسائل الإعلام الخاصة بهم لمخاطبة الرأي العام الأمريكي.