أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان “لبنان سيسدّد كل الاستحقاقات المالية المتوجبة عليه، والسوق خير دليل على ذلك”، لافتاً إلى أن “ما يتبقى منها حتى آخر العام، أصل دين لا يتعدى الـ 500 مليون دولار، في مقابل خدمة دين تبلغ نحو 800 مليون دولار”. وذكّر باقتراحه “حلاً واقعياً” لملف سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، يقضي “بتقسيطها خمسة أعوام، على أن تُصحّح الأجور سنوياً”، مشيراً إلى أن “الملف في عهدة مجلس النواب الذي سيتخذ القرار المناسب، إذ هناك توجّه إلى إقرار السلسلة بشكل من الأشكال، لكن لم يتم التوافق بعد على الصيغة النهائية”. واعتبر ان “تحمّل لبنان مسؤولية النزوح السوري بمفرده يبرز مدى صلابة اقتصاده”.
وقائع المؤتمر:
سلامة تحدث خلال رعايته المؤتمر المصرفي والاقتصادي الحادي عشر الذي تنظمه “فيرست بروتوكول” بعنوان “مصرف لبنان بعد نصف قرن” في فندق فينيسيا انتركونتيننتال – بيروت، في حضور وزير الاعلام رمزي جريج، النائبين غازي العريضي وفادي الهبر، الوزراء السابقين: عدنان القصار، جورج قرم، ريا الحسن، ووليد الداعوق، رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة فؤاد الخازن، رئيس جمعية شركات التأمين أسعد ميرزا، رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز شارل عربيد، رئيس نقابة الوكلاء البحريين حسن جارودي، رئيس تجمّع رجال الأعمال فؤاد زمكحل، ورؤساء مجالس إدارات عدد من المصارف وفاعليات.
البلعة:
بداية المؤتمر كانت بالنشيد الوطني، ثم الجلسة الافتتاحية بعنوان “50 عاماً على التأسيس” وتحدثت فيها مديرة الاستراتيجيا في الشركة المنظمة فيوليت غزال البلعة، حيث اعتبرت فيها ان “أهمية البنوك المركزية تقع تحت الأضواء عند اشتداد الازمات”. وقالت: “ما الذي يمكن قولُه عن لبنان، بلدُ الخضات والاستحقاقات من السياسة الى الأمن فالاقتصاد؟”
وأوضحت أن المؤتمر “ليس الا مناسبة لدرس أداءٍ، تطوّرَ مع تطوّر مفهوم الأزمات ليكون عبرة لمستقبلٍ لا يزال يحفل بالكثير من الاستحقاقات التي تشغلنا، على وقع “ربيع عربي” تركزت وحوله في الاقليم المجاور”، لافتة الى تركيز شركة “فيرست بروتوكول” اهتمامات مؤتمراتها المتخصصة على ملفات مصيرية”. وقالت: “تأتي سلسلة الرتب والرواتب لتؤكد حجم الضغوط التي تثقل كاهل الصناعة المصرفية باعباء اضافية”.
طربيه:
وألقى رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد المصارف العربية الدكتور جوزيف طربيه فنوه بمصرف لبنان “هذه المؤسسة التي تشكل علامة فارقة في حياة لبنان الاقتصادية”.
وإذ ذكر بتأسيس المصرف المركزي و “ما واكبه من صدور تشريعات رؤيوية كان لها الأثر الحاسم في بروز لبنان كمركز مالي للمنطقة، أهمها صدور قانون السرية المصرفية وقانون الحساب المشترك”، أشاد بمن تعاقب على حاكمية المصرف وصولاً الى الحاكم الحالي واصفاً إياه بـ “صاحب الهندسات المالية المبتكرة التي حمت لبنان من السقوط المالي والنقدي والاقتصادي، في وقت هزت العالم كوارث مالية طالت ارتداداتُها بلدان عظمى واقتصادات كبرى”.
وأشار الى أن “القطاع المصرفي اللبناني لم يعرف استقراراً تاماً بعيداً من الاهتزازات، الا منذ تسلم رياض سلامة الحاكمية التي حصّنها بحكمته، ونجح خلال ثلاث ولايات متتالية في تكريس نموذج خاص للسلطة النقدية”.
واعتبر ان “هذا لا يعني أن قطاعنا المصرفي لا يتأثر بما يدور حوله في لبنان وفي المنطقة”، متناولاً الأوضاع الدقيقة التي تمر في البلد وآخرها انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وقال: “نعجز عن انتخاب رئيس يقود البلاد، مع كل ما يجرّه الفراغ ُ الرئاسي من قلق، في وطن يعيش على شفير الهاوية الاقليمية، التي دفعت الى أرجائه مئات ألوف النازحين السوريين الهاربين من الموت والمتلمسين النجاة، ولو في خيمة أو في أي مرقد عنزة”.
كذلك لفت الى الحركات المطلبية ورأى فيها “ما يؤشر الى اختلال هيكلي في العلاقة بين مختلف المكوّنات الاجتماعية، لا يمكن معالجته بالمسكنات العابرة التي تقدمها الدولة حالياً”. وقال: “الأغرب في ما يحصل، أن تجنح الحركة المطلبية عن مسارهابوجه الدولة، فتأتي للإعتصام أمام مصرف لبنان، حارس الاستقرار النقدي، كما تتوجه بالمنطق نفسه الى جمعية المصارف، وهما المؤسستان اللتان لولاهما، لما كانت سيولة ولا موارد لدفع الحقوق المُدلى بها”.
وإذ اعتبر انه “لم يسبق أن واجه لبنان استحقاقات ملحّة ومعقدّة، كالتي يواجهها اليوم دفعةً واحدة”، قال: “هناك حاجة ملحـّة لتحسين مناخ الاستثمار وتشجيع حركة الرساميل، وتنفيذ حزمة من الاصلاحات الهيكلية، والتوظيف في إنهاض البنية التحـتية وشبكات الرعاية الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، ودعم القطاع الخاص في تحريك العجلة الاقتصادية والاسراع في موضوع ملف الغاز”.
وختم: “ان وقت المعالجة لم يفت، والمطلوب هو إبعاد أولويات الشعب عن السياسة، فالاقتصاد مُلكُ الجميع، واذا كانت السياسة تفرّق، فإن الاقتصاد يجمع”.
شقير:
ثم تحدث رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير الذي اعتبر ان “السمعة والشفافية التي صبغت عمل مصرف لبنان طوال نصف قرن كانت نتيجة توالي مجموعة من خيرة رجالات لبنان على قيادة هذا المصرف وانتهاجها سياسة نقدية جنبت لبنان كوارث اقتصادية”.
وقال: “استطاع مصرف لبنان في السنوات الاخيرة من تجنيب لبنان الوقوع في الأزمة المالية العالمية التي ضربت كبريات المصارف واقتصاد أكبر الدول الصناعية. جاء ذلك نتيجة سياسة نقدية واجراءات استباقية من قبل مصرف لبنان ساهمت في تعزيز الثقة بقطاعنا المصرفي وحدت من تداعيات الأزمة المالية العالمية”.
وأوضح ان “القطاع الخاص في لبنان هو عماد الاقتصاد ومحرك عجلة النمو، وهذا القطاع يعتمد على قطاع مصرفي ناشط وناجح يخضع لتوجيهات مصرف لبنان، فبذلك يكون مصرف لبنان من أهم المؤسسات التي تساهم في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي استقرار لبنان”.
وقال: “ان الديمقراطية اللبنانية أنجبت الكثير من الاختلافات حول معظم الامور، وفي كل مرة اختلفنا حول موضوع اقتصادي كان لمصرف لبنان الراي الراجح والمرجح، نتيجة ثقة اللبنانيين بهذه الموسسة وبالقيمين عليها”.
وتوجه الى سلامة بالقول: “ان وجودكم يا سعادة الحاكم على رأس حاكمية مصرف لبنان، يبعث على الراحة والاطمئنان عند اللبنانيين وعند الهيئات الاقتصادية، وهذا الاطمئنان ترجم الى ثقة اقليمية وعالمية بقطاع لبنان المصرفي ومناخه الاستثماري”.
أضاف: “ان الانجازات التي تم تحقيقها عبر نصف قرن من الزمن تزيد من حجم التحدي المقبل. فنحن مسؤولون عن حماية هذا السجل الحافل وعدم تبديد ما تم تحقيقه، وهذا أمر يوجب علينا التصدي لأي قرار أو تشريع متسرع يهدد الاستقرار النقدي والاقتصادي. ان استشفاف المخاطر ومواكبة المتغيرات العالمية للحفاظ على دورنا واستقرارنا الاقتصادي هي من سمات عمل مصرف لبنان.
لقد تم انجاز الكثير خلال العقود الماضية لكن الطموح أكبر، وقدرة اللبنانيين على التفوق مشهود لها شرط تامين الحد من الاستقرار الأمني والسياسي”.
وختم متوجهاً إلى الحاكم سلامة بالقول “إن وجودكم في بعبدا يطمئننا، والجميع موافقون على ذلك”.
خيرالدين:
واوضح الوزير السابق مروان خير الدين في كلمته أن في أساس عمل أي مصرف مركزي خلق أسواق تكون فيها العملة الوطنية مستقرة والفوائد مقبولة، إضافة الى إدارة القطاع المصرفي بشكل سليم وفقا لأعلى معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة”، وقال: “مصرف لبنان لم يكن ناجحاً نجاحاً عادياً في تحقيق كل هذه الأهداف بل نجح بامتياز وباعتراف الجميع”.
وتناول موضوع إصدار حاكم مصرف لبنان تعاميم في العام 2004 تمنع المصارف اللبنانية من الاستثمار في الأدوات المالية المركبة، قائلاً: “كم كان على حق حينها، إذ تبين بعد الانهيار في الأسواق المالية العام 2008، انه الوحيد الذي رأى الأزمة آتية دون سواه. هذا الإجراء وحده وفر على لبنان مئات ملايين الدولارات ان لم نقل المليارات من الخسائر فقط بسبب الحكمة والحوكمة”.
ولفت الى ان “التحدي الكبير” الذي تواجهه الدولة اللبنانية اليوم هو موضوع سلسلة الرتب والرواتب. وقال: “هناك من يعتبر ان تمويل السلسلة لا يجوز أن يأتي من جيوب المواطنين. وانا أقول لهؤلاء: بالله عليكم من أين سيأتي إذاً؟ هل نقوم بطبع العملة وتهديد استقرارها لتمويل معاشات قد تكون محقة ولكن من دون زيادة في الانتاجية أو اصلاح اداري يعيد هيبة الدولة واحترام المواطنين لموظفي القطاع العام؟”.
وختم: “لا يجوز تمويل السلسلة إلا في حال إقرار اصلاحات كافية تؤمن زيادة في الانتاجية وتخفيف من الهدر والفساد المستشري في الدولة وتعيد للمواطن ثقته بدولته. بالطبع أيضاً لا يجوز اقرار السلسلة من دون ايجاد مصادر لتمويلها تكون غير مضرة بالاقتصاد المنتج. فعلى سبيل المثال، ان فرض الضرائب على الريع العقاري والاستهلاك المحلي طرق ناجحة وغير مضرة بالانتاج، في حين ان زيادة الضرائب على الفوائد سيتحمله المودع، اي الشعب اللبناني، وقد يكون له نتائج مضرة بصورة لبنان، وقد يعطي اشارة سلبية للمودعين ان الدولة وضعت نصب عينيها أموالهم الخاصة وباشرت بزيادة الضرائب على مردودها مما قد يدفعهم لإعادة النظر في تحويل مبالغ اضافية من ادخاراتهم من الخارج الى لبنان وبالتالي نكون قد خلقنا لأنفسنا فخاً له عواقب اقتصادية كبيرة وغير مدروسة”.
سلامة:
وألقى حاكم مصرف لبنان كلمة قال فيها: “بين الحضور اليوم، وزيران سابقان للمال تعاطيت معهما في السراء والضراء، وتخطينا سوياً ظروفاً كانت صعبة جداً. يكفل قانون النقد والتسليف استقلالية مصرف لبنان ما يسمح له بأن يتحرك عندما تكون المؤسسات الأخرى تواجه الصعوبات. الشغور في سدة رئاسة الجمهورية أمر غير طبيعي نأمل ألا يطول، فالفراغ يشكل ضغطاً على الأداء الطبيعي للمؤسسات الدستورية الأخرى إن كان مجلس الوزراء أو مجلس النواب. أود التأكيد في ظل هذا الواقع بأن مصرف لبنان سيقوم بالمحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار الائتماني في لبنان. تدرك الأسواق ذلك ونذكّر بأننا مررنا بظروف مماثلة في السابق وحافظنا على الاستقرار. إنّ الثقة والإمكانات المتوفرة لدى مصرف لبنان ولدى القطاع المصرفي تضفي المصداقية على هذا الموقف الذي تفرضه المصلحة الوطنية وإرادتنا لحماية الاقتصاد.
نأمل أن تعود كلّ المؤسسات الدستورية إلى فعاليتها وأن يتحمّل كلّ منا مسؤولياته تجاه الاقتصاد وتجاه عمليات التمويل، ولنا كلنا مصلحة في ذلك”.
ولفت الى أنّ “واقع الأسواق اللبنانية يفرض على مصرف لبنان إدارة السيولة بالدولار الأميركي إضافة إلى الليرة اللبنانية”. وقال: “طوّرنا الأدوات اللازمة التي تمكنّنا من التحكّم بالسيولة على المديين القصير والطويل. وقد توّجت مبادرتنا الأخيرة بخلق منصة للتوظيفات القصيرة الأجل بالنجاح، في جزئها الأول المنفّذ بالدولار. وقد استقطبت ملياري دولار أميركي. وقد أطلقنا الآن الجزء المتعلّق بالتوظيفات من 7 إلى 30 يوماً بالليرة اللبنانية. ونحن مستمرون بهذه العمليات بالعملتين”.
واعتبر أن الاقتصاد “استفاد من هذه السياسات التي أجريناها. وبالرغم من الصعوبات التي عرفها لبنان، فالاستقرار النقدي والنموذج المصرفي المحافظ ولّدا الثقة والانخفاض بالفوائد مما حفّز النمو الاقتصادي”، قال: “سمح استقرار الليرة اللبنانية بإعادة تفعيلها كعملة تسليف، مضيفاً إلى إمكاناتنا التسليفية وبالأخص في قطاع السكن حيث أن هناك 100 ألف مستفيد من القروض السكنية حالياً. وسمح لنا الاستقرار النقدي بمبادرات مباشرة لتحفيز التسليف. وأصبح الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي في لبنان يعود إلى هذه الرزم التحفيزية”.
أضاف سلامة: “طوّر مصرف لبنان إدارته وأنظمته. وقد تجسّد ذلك في تطوير أنظمة الدفع في الأسواق اللبنانية. كانت لعملنا التطويري الداخلي هذا نتائج إيجابية على الاقتصاد وعلى عمل الحكومة اللبنانية وإدارتها. وشمل العمليات النقدية في مصرف لبنان ما شجّع على استعمال أكبر للنقد اللبناني. ونحن متعلّقون بعملتنا وأنشأنا من أجلها متحفاً”.
وتابع: “ظهرت مؤخراً أساليب مختلفة لتسديد المدفوعات سواء الكترونياً أو من خلال الجوال أو من خلال الـ BITCOIN. وقد حدد مصرف لبنان موقفه من كل هذه الوسائل المستحدثة بما يحمي المستهلك. حرصنا من على المستهلك، دفعنا إلى إنشاء وحدة تهتم بمصالحه”.
وقال: “جهد البنك المركزي لحماية سمعة لبنان، وأصدر تعاميم لتأمين الشفافية والمشروعية في العمل المصرفي بغية المحافظة على انخراطنا في العولمة المالية وتسهيل تعاطينا مع المصارف المراسلة من خلال احترام القوانين التي تعمل على أساسها هذه المصارف. وتقوم لجنة الرقابة على المصارف والهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال بالمتابعة الجدية لهذه التعاميم.
لبنان ملتزم بتطبيق معايير بازل – 3 ومصارفه قادرة على ذلك. بل وضعنا معايير للملاءة تتعدى المطلوب في بازل – 3. تطبّق المصارف اللبنانية هذه المعايير من دون صعوبات نظراً الى أن نموذجنا المصرفي المطبق منذ التسعينات قريب لما آلت إليه مقررات بازل – 3”.
وختم سلامة: “نظامنا المصرفي سليم، تجاوز الأزمات الإقليمية والمحلية واستمر في النمو. وهو حجر الأساس لتمويل القطاعين الخاص والعام”.
تكريم:
ثم تسلم سلامة من مديرة الاستراتيجيا في “فيرست بروتوكول” والمدير العام للشركة مارون البلعة، درعا تقديرية كناية عن سبيكة من النحاس مطلية بالذهب الخالص دُوّنت عليها عبارة “خمسون سنة على التأسيس، وعشرون سنة من الثقة”.
مبادرات “المركزي”:
ثم كانت مداخلة لرئيس مديرية المصارف في مصرف لبنان نجيب شقير متناولاً موضوع “إعادة بناء القطاع المصرفي اللبناني”، شارحاً حال الاقتصاد ما بعد الحرب، لافتاً الى أن “مهمة مصرف لبنان كانت إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي وجذب الأموال لتمويل الحكومة اللبنانية وحاجات القطاع الخاص”.
وفصّل استراتيجية المركزي خصوصاً لجهة “التشريعات الفاعلة لإعادة بناء الثقة”. ورأى أن “التزام مصرف لبنان تثبيت سعر الليرة أثبت أنه مفتاح الاستقرار المالي عبر الآتي: الحفاظ على نسب مخفوضة للتضخم، الحفاظ على قطاع مصرفي سليم، تقوية احتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية، وتقوية صدقية لبنان في الأسواق المالية الدولية”.
وقدم المدير التنفيذي لوحدة التمويل في مصرف لبنان وائل حمدان مداخلة بعنوان “المبادرات التمويلية لمصرف لبنان”، شرح فيها عدداً من مبادرات المصرف لدعم الفوائد على القروض للقطاع الخاص. وقال “إن جزءاً من دعم الفوائد عبر قرض من الاتحاد الأوروبي الى الحكومة في العام 1999 وقدره 60 مليون يورو، الى قرض آخر من البنك الأوروبي للاستثمار في العام 2004 بقيمة 60 مليون يورو، الى دعم الفوائد المقدم من مؤسسة “كفالات”. وأشار الى أن “حجم القروض الموافق عليها الى اليوم بلغ 56,2 مليار ليرة”، معدّداً من بين المبادرات التي قدمها المركزي: قروض تعليمية، قروض للطلاب وقروض بيئية.
حوار:
ثم كان حوار بين الحاكم سلامة وكل من نائبة مدير مكتب بيروت في وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس” ريتا ضوّ، والمسؤولة عن الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط في بنك “باركليز” البريطاني عليا المبيّض.
وسئل عن الكلفة الكبيرة للفراغ الرئاسي وسلسلة الرتب والرواتب وملف النازحين، على النمو الإقتصادي، وكيف سيعوّض عنها لبنان كي لا يكون النمو سلبياً، أجاب سلامة: لا نعلن عن نسب النمو المتوقع إلا بعد مرور شهر تموز، لأن التقلبات في لبنان وتأثيرها على الثقة والاستثمار يفرضان ذلك. من هنا أستغرب كيف ينشرون توقعات نمو مسبقاً. الواضح ان الحركة الاقتصادية تراجعت في الأشهر الأربعة الأولى من السنة عما كانت عليه في الفترة نفسها من السنة الماضية. ونشعر بعد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بتحسن في الوضع الإقتصادي، فيما الشغور في الرئاسة لم يؤثر سوى جزئياً. والمهم ان المصرف يحافظ على امكانات التمويل في لبنان”.
وعن انعكاسات تأزم الواقع الحالي على امكانات تمويل احتياجات الدولة وعما إذا كان مصرف لبنان والقطاع المصرفي قادرين على تجاوز الأزمة، أجاب: “اتخذ المصرف قراره بتأمين السيولة والتحرك في السوق، وهذا القرار لمصحلة التوافق والحفاظ على الاستقرار. هناك تأكيد على أن المصرف المركزي سيؤمّن السيولة والإمكانات متوفرة. لدينا ما يفوق الـ 36 مليار دولار سيولة ووضعنا هندسات جديدة تعزز الإحتياطي بالعملات في مصرف لبنان. لدى القطاع المصرفي فوائض في السيولة، وهناك زيادة في الودائع بنسبة تتراوح بين 5 و 6 في المئة عما كانت عليه في العام الماضي. ان استمرارية عملية التمويل متوفرة من خلال الاصدارات. ان معظم الديون هي بالعملات الأجنبية فاستبدلت باليوروبوند قبل استحقاقها أي بين نيسان وايار. أما الاستحقاقات الباقية حتى آخر العام فهي كناية عن أصل دين لا يتعدى الـ 500 مليون دولار، في مقابل خدمة دين تبلغ نحو 800 مليون دولار، وقادرون على التحرك بهذه المبالغ. أما بالنسبة الى تمويل العجز فهو مرتبط بمدى تأثيره على التضخم وسقفه”.
وأكد ان “كل الاستحقاقات سيتم تغطيتها، والسوق خير دليل على ذلك. إذ على سبيل المثال ارتفعت اسعار اليوروبوند فيما انخفضت الهوامش، وتراجع تصنيف لبنان من 380 نقطة الى 340. من هنا تشعر السوق بان العملية ممسوكة”.
وعما إذا كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية قال: “كلا. ولم يطرح علي أحد هذا الموضوع”.
وعن ملف النازحين السوريين، اعتبر انه “بات يشكّل عبئاً ثقيلاً على اقتصاد لبنان واستقراره الاجتماعي”. وقال: “معالجة هذا الملف ليست من صلاحيات مصرف لبنان. لكن البنك الدولي أعدّ دراسة أظهرت ان هناك كلفة مباشرة على الدولة اللبنانية في حدود المليار دولار سنوياً، وأخرى غير مباشرة تصل الى 3 مليارات ونصف مليار دولار. وبرغم التحسن في الحركة التجارية الناتج عن استهلاك النازحين، فهو لا يعوّض المبالغ التي يتكبدها لبنان سنوياً. والجدير ذكره أن التبرعات التي أقرّت في اجتماعي نيويورك وباريس لمعالجة ملف النزوح، لم تكن بالمستوى المطلوب. وفي الوقت نفسه يريد المجتمع الدولي ابقاء أبواب لبنان مفتوحة أمام النازحين. هذه الأمور تواجهها الدولة اللبنانية وهي غير قادرة على تحمّل الكلفة المرتفعة بمفردها”.
واعتبر ان “تحمّل لبنان مسؤولية النزوح يبرز مدى صلابة اقتصاده الوطني وأن هذا البلد الصغير باقتصاده وحجمه المتواضع لم يقع في أزمات وقعت فيها الدول المحيطة به، بل استطاع مواجهة اوضاع سياسية وأمنية صعبة وهو قادر على تحمل عبء أكثر من مليون سوري موجود في لبنان. لذلك هذا الملف مهم جداً ويجب معالجته من دون أن يفقدنا الثقة بامكانات لبنان وقدراته”.
ورداً على سؤال عن أولويات أي حكومة لوضع إطار واضح يشجع على عودة الاستثمارات، أجاب: “ان السوق تنتظر من الحكومة الحالية أو أي حكومة مقبلة المبادرة أولاً الى معالجة البنية التحتية التي تسبب عجزاً كبيراً في الخزينة وتفوّت على لبنان قدرته التنافسية، لا سيما ملف الكهرباء. ثانياً، تفعيل عملية استخراج الغاز وإن لن يظهر نتائج مادية مباشرة نظراً الى ما يضفي هذا الملف من أمل وتطلعات ايجابية تبني عليها الأسواق. ثالثا، تطوير الاقتصاد المعرفي”.
أضاف: “لبنان معروف بقدراته التنافسية وإمكانات توفير فرص عمل ستكون مرتبطة بقطاع النفط الذي إذا ما نجح لبنان في الإفادة منه سيفتح مجالات واسعة امام الأجيال الصاعدة، ويفعّل حجم السوق ويحسن من معدل تصنيف لبنان إذا سمحت الظروف السياسية بذلك”.
أما في ما يتعلق بملف السلسلة، فقال سلامة: “موقفنا واضح لجهة طرحها وتطبيقها. نريد كمصرف مركزي تحسين مستوى المعيشة في لبنان ولذلك اقترحنا حلاً واقعياً بتقسيطها على خمسة أعوام، على ان تصحح الأجور سنوياً. الملف اليوم في عهدة مجلس النواب الذي سيتخذ القرار المناسب في شأنه، إذ هناك توجه لإقرار السلسلة بشكل من الأشكال، لكن لم يتم التوافق بعد على الصيغة النهائية”.