في زمن اليباس الاعلامي وسيطرة منخفض الجو الملوث على كافة مرافئ الابداع والاعلام، نشهد في مجال الاعلام المرئي على ظاهرة اعلامية متفردة بمفرداتها ونهجها محققة بذلك قفزة نوعية في عالم البرامج الفنية الحوارية، هي المذيعة وفاء الكيلاني التي تطل عبر برنامجها “قصر الكلام” في لقاءات صاروخية وضيوف من الوزن الثقيل يشكلون الصدارة على لائحة النجوم.
جاءتنا هذه المذيعة من درب اعلامية غير تقليدية مجتازة بفضل حسها الاعلامي أولا” ودرايتها اشارات المرور التقليدية في العمل التلفزيوني ، فهي لا تحاور بقدر ما هي تتحاور والفرق ما بين الحالتين، أنها تعمل على حالة سيكولوجية أمام الكاميرا، تقنيتها سكة أو نهج منه الصمت القليل والنظرات السارقة والابتسامة المتسائلة التي تطرح سؤالا”، فهذه التقنية بالأداء تجعل من الحوار أكثر رقيا” وأكثر مرونة للاحتراف.
لا تخدش هذه المذيعة مشاعر ضيفها بسؤال نافر، بالعكس تحقنه من خلال مجرى الحوار، بجرعات من الطمأنينة وتعطيه الأمان، ليأتي كلامه مناسبا” بشكل صاف.
تعمل وفاء على ضبط نفسها تلفزيونيا” من خلال كافة الجوانب وحتى تعابير وجهها فزيائيا” تشغل مساحة ضيقة من الحوار، لأنها توظف مادة مخدرة في نبرات صوتها وانتقاء ألفاظها وكلماتها، فهي تشبه لحد ما البحار الذي يقود سفينة بحكمة في حالة اصطدام الأمواج، متخطيا” كل المستنقعات والتيارات التي تعترضه.
هي ليست صورة على الشاشة تمر مرور الكرام، بل هي قاعدة ثابتة من قواعد الحرب الاعلامية الباردة على جبهة الصمود والتحدي والمنافسة، كما هي ليست بذاكرة عابرة معلقة على يافطة في شارع الاعلام المرئي، بل هي ذاكرة راسخة في وجدان المشاهد العربي، فما تقوم به هذه الاعلامية يعيدنا الى شاشة الأبيض والأسود ويذكرنا برائدات من رواد الاعلام المرئي أمثال سناء منصور، سلمى الشماع والقديرة جدا” ليلى رستم التي غابت بحكم السنين عن الذاكرة والعين ولكن مسيرتها الاعلامية ما زالت حية معنا، مدرسة نلجأها بحثا” عن الجودة التي كانت في السبعينات من القرن الماضي وكانت رستم في سدة الريادة يومها.
اذا” وفاء الكيلاني اعلامية مطرزة بالاتقان، الصدق، والبحث، وهذه العناصر الثلاث هي من أبرز بنود النهج الاعلامي المرئي يلي ذلك، الشكل، الكاريزما، وسعة الاستيعاب، اذا في حال بحثنا عن ذاتية هذه الاعلامية لوجدنا بأنها مغلفة دوما” بحصانة من التفوق خصوصا” التفوق على الذات.