تحلم جميع الفتيات العازبات والرجال العازبون بشريك العمر، ليكون خير سند وحبيب ورفيق في الأيام الطويلة، إذ حسبما سمعت من متزوجين كثرا، فإن الزواج هو كعقدِ عمل أبدي، إن استثنينا فكرة الطلاق، فهو أبغض الحلال!
ونتساءل: لماذا تختلف النظرة إلى الزواج بين المتزوجين وهؤلاء العازبين؟! لماذا ينظر العازبون إلى الزواج على أنه جنة الأرض، بينما حين تسأل متزوجا، يتردد في إعطائك الجواب الشافي وكأنه يحاول لم شمل الحسنات والسيئات قبل أن يقرر إن كان الزواج فكرة جيدة أو سيئة!
لي صديقة تزوجت ممن أحبت وأنجبت أجمل الأطفال في الدنيا، لكنها تؤكد حتى اليوم، رغم أنها سعيدة في حياتها الزوجية، أن العزوبية أفضل بكثير، لأن المرأة تحديدا تضحي في الزواج أكثر من الرجل! فهي التي تنجب، وفور إنجابها الطفل الأول، تحيا للاعتناء به، فتصبح “أم فلان”، تخسر هويتها وعملها وكل وسائل الراحة التي اعتادت أن تنعم بها قبل الزواج!
وفي المقلب الآخر، هناك متزوجون يؤكدون أنهم ورغم المصاعب والمشكلات اليومية، إلا أن الزواج ضرورة، وبدونه لا تحلو الحياة!
مما لا شك فيه أن الزواج كأي مؤسسة أخرى، له مقومات تدفع به إلى النجاح إن وجدت، وأخرى تدفع به نحوى الفشل الذريع، إن فُقِدت..
جُلنا في تحقيقنا هذا على بعض المتزوجين والعازبين لنعرف منهم كيف ينظرون إلى الزواج، وهل هو فوبيا بالنسبة إلى البعض وهل ندمَ المتزوجون على فعلتهم؟! وكما يقول المثل: “اسأل مجرب وما تسأل حكيم”! وهل يشعر العازيون بالحماس للزواج وتأسيس عائلة؟!
أحمد – 35 عاما – متزوج: تزوجت لأنها سنة الحياة ووجدت الشريكة المناسبة.. عشت مع زوجتي علاقة حب استمرت لثلاث سنوات، وطبعا وقعت في نزوات عاطفية بعد الزواج، لكنها لا تستمر لأنها ليست حلالا ولأن الزواج أقوى! تمر العلاقة الزوجية بمرحلة من الفتور فيأتي شخص يملأ الفراغ، لكن حين تعود العلاقة الزوجية إلى طبيعتها، تنتهي تلك النزوات، لأن لا مستقبل فيها والرجل يجب أن يعود في النهاية إلى عائلته وأولاده..
وحول الفرق في حياته قبل الزواج وبعده، يؤكد أحمد: قبل الزواج يكون الرجل حرا فعلا، لكن بعده، يصبح مرتبطا ولديه مسؤولية! ويتابع: قبل الزواج هناك حماس أكبر وبعده تصبح كل الأمور “تحصيل حاصل”! لكن الجميل في العلاقة الزوجية هم الأطفال الذين يكسرون الروتين فور ولادتهم، ثم يعيش الثنائي فرحة دخولهم إلى الندرسة، ثم إلى الجامعة، ثم التخرج! العلاقة الزوجية عبارة عن مراحل متنوعة ولكل منها رونقه الخاص!
وحول إذا ما كان يندم على الزواج، قال أحمد: بالرغم من الصعوبات، لا أندم على الزواج أبدا، لأن الأطفال والعلاقات الإجتماعية أمران جميلان.. إحترت كثيرا قبل أن أطلب يد زوجتي لأنني مررت قبلها بتجربة حب باءت بالفشل، لكن الحمدلله، إلى الآن أستطيع أن أقول أنني اخترت الصواب!
ناجي – 43 عاما – متزوج: يقول ناجي: تزوجت عن حب والآن بعد الزواج أصبح حبنا أكثر نضجا.. الفرق هو مرور الأعوام، صرنا أكبر، مررنا بمرحلة الجنون، وأصبح لدينا أولاد ومصاعب الحياة المادية والمعنوية تفرض نفسها.. ورغم هذا، فأنا لا أزال أمارس طقوس العاشق ولا أتخيل نفسي متزوجا من امرأة غير مغرم بها.. “شو بَدي فيها إذا ما بحبها بجيب صانعة ساعتها”! كما وأنني إن لم أحبها، فلم أريد أولادا منها.. الأولاد ثمرة حب وليسوا ثمرة مجامعة، ثم إن هذه ليست هذه نظرتي إلى الحياة..
ويتابع ناجي: لنكن صريحين، أمر بفترات من النفور بسبب كثرة الضغوطات، لكنها تذهب مع الريح لاحقا حين يرى الشخص عائلته حوله ويفرح بهم.. ويختتم: أخذت وقتي في اتخاذ القرار لأنه سيكون قرارا نهائيا، وليس هناك توافق 100% في أي علاقة، بل هناك تقارب ولا اتفاق مطلق بين إثنين..
منى- 50 عاما- متزوجة: الأفضل على المرأة أن تتزوج رجلا تحبه لتستمر معه في حياتها، فالحب والإحترام هما العنصران الأبرز، والزواج بلا حب “بلا طعمة”!
وتعترف منى: بعد الزواج تختفي الشعلة التي تكون قبله لكن الحب لا ينتهِي، بل يصبح أكثر نضجا لأن الإثنين يواجهان مصاعب كثيرة، تدفعهما إلى التعلق والتماسك ببعضهما البعض لمواجهة الحياة! وتتابع: المرأة والرجل يشعران بالملل من العلاقة إن لم يكن هناك حب يرافقه تفكير على نفس المستوى، أي أن لا تكون أفكارهما متناقضة في الأمور الأساسية! ولتتذكر المرأة أن الرجل يقف دوما على حافة الخيانة، بينما هي تقف بعيدة عنها بأمتار.. لذا على المرأة أن تعتني بزوجها جيدا وألا تهمله، لأنه يملك القابلية للخيانة دوما!
وتتابع منى: هناك مفهومان للحب، الحب المجنون الذي لا نختبره بعد سن العشرين برأيي، الذي لا حدود فيه لشيء والذي لا نحكم العقل فيه، لكن القلب فحسب.. أنا تزوجت عن قناعة، لكن الآن إذا عادت بي الأعوام إلى الوراء، لا أرتبط إلا بزوجي! لا أؤمن بما يسمى الحب المجنون الذي يدمرنا برأيي.. الحب الذي لا يلتقي فيه القلب والعقل هو حب مدمر للطرفين! ثم إننا لا يمكن أن نقبل شخصا بتفاصيله اليومية إن لم نحبه، لكن هذا لا يعني أن يكون هناك حب مجنون.. التفاصيل مهمة جدا كترتيب الثياب، أن يحترم الزوج زوجته أمام الناس، وسواها، تؤثر كثيرا على الزواج! فالحياة بعد الزواج مختلفة كليا لأن الزوجة تعيش مع زوجها تفاصيل جديدة إما لم تعرفها أو كان يتعمد الزوج إخفائها..
نجلاء – 42 عاما – متزوجة: أعتبر أن كل شيء في الحياة ينطلق من العقل وليس من القلب، والعقل لا يعني فقط الأمور المادية البعيدة عن العواطف، التي يحركها العقل أيضا..
يتغير الكثير بعد الزواج وتهدأ المشاعر.. العلاقة قبل الزواج هي عبارة عن باخرة في بحر هائج، تنقلب شمالا ويمينا ونفرح بها لأنها تجربة جديدة نختبرها لمرة أولى أو ثانية.. بعد الزواج الطقس صاف لكننا نبقى في قلب الباخرة ونستمتع بكل لحظة نعيشها في الحياة اليومية والزوجية.. علينا أن نقتنع ونرتضي بأن نعيش كامل التفاصيل بحسناتها وسيئاتها، في السراء والضراء..
وجواب على سؤال إذا ما كان المتزوجون يرددون في سرهم: كان بإمكاني أن أتزوج رجلا أفضل أو كان بإمكاني أن أتزوج امرأة أفضلن تقول: في كل يوم يمكننا أن نقوم بما هو أفضل من الذي سبقه وأن يكون لنا إنجاز أفضل.. إذا اشتريت اليوم ذاك الكومبيوتر، غدا قد أقول: ليتني اشتريت أفضل منه، إلا أن هذه الأفكار تهشم العلاقة الزوجية! الزواج هو المجهول مهما خططنا له، لأن مزاج الإنسان يتبدل من دقيقة إلى أخرى، فكيف هي الحال في حياة كاملة، تحيط بها ظروف وعوامل مختلفة! لا نستطيع أن نحتمل تقلب مزاجات أحد، هناك أناس لا تحب الإرتباط ككل، وهناك أناس يعيشون نوعا من الغرور يمنعهم من احتمال أحد، ما يدفعهم لرفض الخضوع، وهي الصورة العامة للزواج، للأسف! لكن برأيي الزواج الأنجح هو الزواج الحر، حين يمنحك زوجك الأوكسيجين، دون أن تأخذيه قسرا.. الحرية من الداخل وفي العلاقة وداخل البيت!
ثم إن الحوار هو أساس العلاقة وإذا فُقد، ضاع كل شيء.. إن لم يتحاور الثنائي في المشكلة، تقع الواقعة وليس على المرأة أن تنتظر الرجل ليشعر من ذاته أنها تعاني من مشكلة ما، لأن هذه خرافة! الزواج مؤسسة فعلية متكاملة يسير فيها العقل والقلب بشكل متواز، والمنزل هو مملكة الثنائي، التي تضج بصخب الملل والصمت إن لم يكن هناك طفل بينهما.. وأي زواج يفتقد لذرة واحدة من الإحترام المطلوب، يفقد مفهومه! الإحترام هو أساس كل العلاقات ومنها العلاقة الزوجية.. يتبدل كل شيء وتخف المشاعر حتى، إلا الإحترام.. إذا بدأ ينفقد، لا معنى للحياة بين إثنين! قد نفقد القناعة والعاطفة الجياشة وتطمُرنا المشكلات، لكن طالما الإحترام موجود، يمكن معالجة كل شيء!
وطالما استمعنا إلى وجهة نظر المتزوجين، فلمَ لا نلقي نظرة على بعض آراء العازبين.. كيف ينظرون إلأى الزواج؟! هل يحلمون به أم يشكل عبئا عليهم؟
رنا – 36 عاما.. لم أتزوج حتى اليوم لأنني عشت قصة حب قوية، وحين لم تمن علي الحياة بالارتباط بحبيبي، صرت أرى جميع الرجال متشابهون.. كثر عرضوا علي الزواج، لكنني صرت أكثر انتقاء وصرت أريد الثري والمتعلم والوسيم والذكي.. أردتهم جميع هذه الصفات في رجل واحد، عله يعوضني عمن كنت أراه، أنا على الأقل، مثاليا! لكنني اليوم صرت أكثر صراحة مع نفسي وبت أعترف أنني نميتُ في داخلي عقدة، لا يمكنني أن ألوم أحدا عليها لأنني وحدي أدفع ثمنها.. أقول أحيانا إنني نادمة على عدم الارتباط حتى اليوم وأحيانا أخرى أناقض نفسي وأقول إنها مشيئة رب العالمين، وربما إن تزوجت ما كنت لأوفق في زواجي!
نانسي – 17 عاما.. لا أفقه معنى الزواج بعد، لكنني أريد أن أمضي ما تبقى من حياتي مع رجل يحبني وأحبه، وأريده أن يحبني أكثر من حبي له كي يدللني أكثر! أسمع من رفيقات أمي أن الزواج مقبرة وأنهن غير سعيدات، لكنني أعتقد أنهن لا تستطعن لوم أزواجهن فحسب، لأن الجريمة حتى، تقع فيها المسؤولية 50 % على الفاعل و 50% على الضحية! أعتقد أن 50 % واحدة لا تكفي وسأسعى لأن أبني بيتا سعيدا، علني أوفق!
رائد – 28 عاما.. قررت أنني لا أريد الزواج بتاتا، لأنني أعرف بأن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى تغيير شركائه من فترة إلى أخرى، فنحن عرضة للتغير في كل شيء وكل ما يحيط بنا أيضا.. لن أتزوج “بنت بيت” وأظلمها معي لأخونها لاحقا بحجة أنني أحتاج إلى تعدد الشريكات.. أفضل أن أبقيَ على عزوبيتي ففيها هامش كبير من الحرية لا أستطيع التنازل عنه كُرمى لأحد!
بين العازبين والمتزوجين هوة كبيرة، وكل منهم يفكر على هواه، لكن الإختلاف في الآراء لا يفسد للود قضية!
يبقى أن الزواج هو أسلوب حياة وكل منا يريد لحياته أسلوبا مختلفا عن الآخر! فقد تتزوج فتاة من شاب فقط لأنها يضحكها دوما، متناسية تفاصيل أخرى أساسية، ما يطبق المثل الشائع: “ضحكها شهر وبكاها دهر”!
· رأي علم الإجتماع في الزواج:
يهتم علم الإجتماع بموضوع الزواج ومتانته لأن الزواج هو أساس العائلة والعائلة هي أساس المجتمع.. وعليه فإن علماء الإجتماع لا يوفرون دراسة إلى ويعملون عليها لتطوير وتحسين مؤسسة الزواج، عل نسبة الطلاق والتفكك الأسري تخفان تدريجيا، أو حتى لدراسة أسباب العنوسة ونسبتها وخطورتها على المجتمع وعلى مستقبل تكوين العائلات..
فمثلا أشارت دراسات إلى أن هناك عانسا في كل بيت إماراتي، ذلك أن نسبة العنوسة فيها وصلت إلى 68%، في حين أن النسبة في الكويت وقطر والبحرين هي 35%، وتنخفض هذه النسبة في كل من ليبيا واليمن حيث تبلغ 30%، وتنخفض أكثر في السودان والصومال فهناك النسبة هي 20%، و10% في سلطنة عُمان والمغرب.. أما في مصر فقد كشفت الدراسة عن وجود 9 ملايين فتاة فاتهن قطار الزواج، بينما يسجل العراق أعلى نسبة تصل إلى 85%. وفي إطار علم النفس، أظهرت دراسة حديثة أجراها د. سول جوردون، أستاذ علم الإجتماع الفرنسي، أن الحب القائم على زواج فقط، لا تنتج عنه سوى المشاكل، خصوصا أن العاشق لا يرى سيئات معشوقه! وأكد د. جوردون أن الزواج الذي يقوم على الحب ينتهي بسرعة وأن 85 % من الزيجات التي قامت على الحب كان مصيرها الفشل الذريع، معربا عن تأييده لنظام الزواج التقليدي بقوله إن الزيجات التي تقوم على العقل والاختيار التقليدي هي التي تنجح وتستمر!
ويرى د. جوردون أن مؤسسة الزواج تحقق نجاحا أكبر أذا لم يكن طرفاها قد وقعا في الحب قبل الزواج، مؤكدا أن الإندفاع العاطفي يُعمي عن رؤية العيوب ومواجهتها ويوهم الشباب والبنات بأن الحب يصنع المعجزات! بينما يعمل الطرفان في الزواج التقليدي على انجاح ارتباطهما ويعرفان بأن هذا الزواج هو عبارة عن مسؤولية وتنازل وتسامح وأعباء!
وكما تقف دراسة د. جوردون في وجه الحب وتعلن أنه فاشل إن كُلل بالزواج، كذلك هناك عشرات الدراسات المناقضة.. ما يعني أن الزواج والحب والحياة الأسرية حالات منفردة، لا يمكننا أن نتحدث عنها بالعموم، لأن لكل منها خصوصياته والأسباب التي تؤدي إلى إفشاله أو إنجاحه!
· رأي علم النفس في الزواج:
يؤيد علم النفس في بعض دراساته، آراء عالم الإجتماع د. جوردون، فيقف إلى صف الزواج التقليدي المبني على المنطق والبعيد عن العشق وما يترتب عليه من تسرع واتخاذ قرارات غير صائبة! لكن هذا لا يعني أيضا وجود دراسات كثيرة تؤكد أن الزواج من دون العاطفة لا قيمة له، معتبرة أن المنطق وحده لا يكفي، إذ تتحكم بالعلاقة الزوجية عوامل عدة تبدأ من ذاكرة الرجل حين كان طفلا يراقب والديه وطريقة تصرفهما مع بعضهما البعض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السيدة!
وكما يشجع علم النفس على نوع معين من الزيجات، دون سواها، فكذلك هناك دراسات نفسية، تشجع على عدم الزواج البتة.. فقد أظهرت دراسة أميركية حديثة، أن الزواج والإكتئاب وجهان لعملة واحدة واقترانهما أبدي لا ينهيه شيء.. وقد استخلصت الدراسة أيضا إلى أن المرأة المتزوجة عرضة للإكتئاب أكثر من العانس بنسبة 45 % لما تتحمله من أعباء أسرية واقتصادية واجتماعية قد تدفعها في معظم الأحيان للإنتحار!