مثقفون وكتاب عرب وانتقاد حاد للمسلسل:
يهين محمود درويش بدلا من تكريمه
شخصية مبتذلة وركيكة أحداث ملفقة وتمثيل مبالغ فيه
“مهلهل”
وضعيف في اختيار الممثلين والتصوير
طامّة الأخطاء اللغويّة في إلقاء قصائد محمود درويش
بضاعة فاسدة تصور درويش على غير هيئته
نافس محمود درويش في وجداننا نزار قباني حتى حلّ في خاطرنا
بصوت مارسيل خليفة في المرتبة الأولى وصاغ لنا أحلاماً وأوجاعاً كثيرة، لطالما شكّل
الشاعر الكبير الراحل “سرّاً جميلاً” اختصر علاقتنا بأمهاتنا، منذ أنشد له
مارسيل خليفة “أحنّ إلى خبز أمي”، افترشت قصائده ودواوينه أسرّتنا وحقائبنا
وأجهزة الراديو والتسجيل لاحقاً في بيوتنا،كان رفيقنا السرّي في حكايات الحبّ الطفوليّة
التي عاشها جيلنا في مراهقته،وفي لحظة أدرك كلّ واحد من جيلي أنه عليه أن يقول في عزّ
حرب السنتين والبحث عن هويّة لبنان الضائعة:”سجل..أنا عربي/وأطيب ما أحبّ من الطعام/
الزيت والزعتر”،أن محمد درويش هو الختم العربيّ على هوياتنا…معه؛أدركنا العواصف
والحروب وتهيّأ لنا أن بيننا وبينها وعوداً منذ خرجت علينا “العصافير البليدة”
في “وعود من العاصفة” لأنها..”وعدتني بنبيذ/وبأنخاب جديدة/ وبأقواس
قزح”،ثم أدركنا عشق “ريتا والبندقية” ففهمنا الحبّ في زمن الحرب،وكثرت
الحاملات لاسم ريتا منذ دندن مارسيل خليفة “بين ريتا وعيوني بندقيّة”، أو
عند “سقوط القمر” على أكفنا الصغيرة فتنزّل محمود درويش “في البال أُغنيةٌ”:”كنَا
صغيرين/والأشجارُ عاليةٌ/وكنتِ أجملَ من أُمي/ومن بلدي”… ثمّ تحوّل موت الأبناء
ورود “صامدون هنا قرب الدمار الكبير/ صامدون هنا باتجاه الجدار الأخير”فعرفنا
أجمل الأمهات”التي انتظرت إبنها/وعاد مستشهداً/فبكت دمعتين ووردة/ولم تنزوي في
ثياب الحداد“…
ثمّ واسنا محمود درويش في عزّ الخوف العظيم والحنين إلى بيروت
في زمن الاجتياح الإسرائيلي،زمن التهجير في قرى الجبل اللبناني فبكينا بيوتنا وصبانا
ومدينتنا:”بيروت خيمتنا/بيروت نجمتنا/بيروت يا بيروت”،وعندما اصطدمنا بواقعنا
العربي المروّع استعدنا من البدايات قصيدة جواز:عارٍ من الاسم من الانتماء/في تُربة
ربيّتُها باليديْن/أيّوب صاح اليوم ملء السّماء: لا تجعلوني عبرة مرّتيْن )…( كلّ
قلوب النّاس..جنسيّتي/فلتسقطوا عنّي جواز السفر“.
وقبل أن يستسلم مارسيل خليفة ويعلن هزيمته في حفلات ضخمة تجددت
مراراً عام 1991 على مسرح لاسيتيه جونية، وقبل أن يختار منفاه الباريسي بعد نهاية الحرب
اللبنانيّة، كانت ماجدة الرومي قد قلبت لبنان والعالم العربي رأساً على عقب بقصيدة
“بيروت..لا”،تلك السطور القليلة التي اختارتها من قصيدة طويلة واحدة خطّها
درويش لحصار بيروت في الاحتلال الإسرائيلي:”مديح الظلّ العالي”، والتي اختار
لها الناس اسماً آخر:”سقط القناع..عن القناع..عن القناع..سقط القناع..قد أخسر
الدنيا نعم/لكنّي أقول الآن..لا/هي آخر الطلقات..لا/هي ما تبقى من هواء الأرضِ.. لا/ما
تبقّى من حطام الرّوح..لا/بيروت..لا/حاصر حصارك لا مفرّ إضرب عدوّك لا مفرّ/أنتَ الآن..حرٌّ
وحرٌّ وحرُّ”،واستيقظت هذه القصيدة ثانية كلهيب متأجج من تحت رماد وركام اغتيال
الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قلب بيروت.
ومن قلب بيروت رفعت ماجدة الرومي قصيدة محمود درويش “الزنابق
البيضاء” على أثير الصوت بعد أن جثموا على قلب بيروت بخيام الاعتصام،صدحت ليلة
انتخاب رئيس الجمهورية بعد طول تعطيل:”أحلم بالزنابق البيضاء بغصن زيتون/بطائر
يعانق الصباح فوق غصن ليمون/أريد قلباً طيباً لا حشو بندقية/أريد يوماً مشرقاً لا لحظة
انتصار مجنونة دموية/أريد طفلاً باسماً يضحك للنهار/ لا قطعة في الآلة الحربية/جئت
لاحيا مطلع الشموس لا مغربها/ أحلم بالزنابق البيضاء/بشارع مغرد بمنزل مضاء”،
كانت القصيدة الأخيرة للسلام قبل أن يتوقف قلب محمود درويش الذي تتردّد قصائده كما
الأنفاس في صدر كلّ عربي، ليصبح كما قصيدته أعدّي، الشهيرة بأغنية يطير الحمام:”يطير
الحمام أعدِّي لي الأرضَ كي أستريحَ/فإني أحبّكِ حتى التعبْ/صباحك فاكهة ٌ/للأغاني
وهذا المساءُ ذهبْ/ونحن لنا حين يدخلُ ظلٌّ إلى ظلّهِ في الرخامْ/وأشبهُ نفسي حين أعلّقُ
نفسي على عنق ٍ/لا يعانقُ غير الغمام”، أو كما تلك التي غنتّها “أصالة”مقدمة
لمسلسل صلاح الدّين:”أيها المارّون بين الكلمات العابرة/إجمعوا أسماءكم وانصرفوا”…
كلّ هذه، هي سبب حالة الرفض والاستياء العارم في الأوساط العربية الشعبيّة والثقافية
والصحافية والشعريّة والفنيّة، فضحت البعد “التجاري الرخيص” لمسلسل
“في حضرة الغياب” فسقط منذ الحلقة الأولى!!
فشل نفسي وشكلي
“فراس
إبراهيم فشل على المستوى الشكلي والنفسي”،هذا ما قاله أبرز النقاد المصريين السينمائيين
طارق الشناوي، وكانت وكالة معاً الإخبارية قد أوردت خبراً بعنوان “2000 مثقف يطالبون
بوقف مهزلة “في حضرة الغياب” على تلفزيون فلسطين، وفي التفاصيل أن نحو ألفي
مثقف بينهم ناشطون وأكاديميون في فلسطين والعالم العربي والعالم، طالبوا بوقف بث مسلسل
“في حضرة الغياب” الذي يصور حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش واصفين
المسلسل بالمهزلة وبأنه ذو طابع تجاري يسيء إلى صورة محمود درويش، فيما اعتبر غالبية
النقاد أن نجاح مسلسل عن سيرة شخصية معروفة رهن بالفنان الذي يؤدي الدور والكتابة الجيدة
والإخراج الجيد مشيرين إلى أن هذا مسلسل “في حضرة الغياب” يفتقر إلى كلّ
ذلك من حيث الكتابة والأداء على عكس المسلسل الذي تناول الشاعر العربي الكبير نزار
قباني قبل سنوات قليلة، واتضح من خلال الحلقات الست التي عرضت حتى الآن أن المسلسل
يواجه مشاكل لغوية مع قصائد درويش إلى جانب عدم قدرة الفنان فراس إبراهيم على عكس تنوع
شخصية محمود درويش لا من الناحية الجوهرية والنفسية ولا من ناحية الشكل…وأكد غالبية
الكتاب والمثقفين العرب في تصريحاتهم للوسائل الإعلامية المختلفة أن مسلسل “في
حضرة الغياب” ضعيف جداً ولا يمثل حقيقة الشخصية التي يتمتع بها الشاعر الكبير
الراحل محمود درويش.
ومن أبرز المطالبين بوقف عرض المسلسل في صفوف النقاد الفلسطينيين
، الناقد فخري صالح الذي أكد على ضرورة أن “تتوقف المحطات الفضائية عن بث هذه
البضاعة الفاسدة لأن ما قام به المسلسل هو تصوير لمحمود على غير هيئته. وفي إمكان أي
شخص يعرف الرجل معرفة طفيفة أن يتبين أن ما يؤديه فراس إبراهيم في حضرة الغياب ليس
له علاقة من قريب أو بعيد بما كان عليه درويش، وهو ليس حاضراً غائباً كما يشير العنوان
المأخوذ من كتاب الشاعر البديع المسمى “في حضرة الغياب” بل هو غائب تماما
بصورة فاجعة” .
شاعر لم يستطع الموت
الكاتب والشاعر المصري ياسر الزيات أكّد أنه فوجئ بأخطاء في
اللغة العربية في إلقاء بطل المسلسل لقصائد محمود درويش منذ الحلقة الأولى وهي وفق
رأيه طامة كبرى لا يمكن تفويتها مستطردا كيف أمكن للمخرج أن يسمح بتلك الأخطاء في مسلسل
عن واحد من أبرز شعراء العرب؟
وأكد الشاعر الفلسطيني المقيم في القاهرة مريد البرغوثي أن
ما يتعرض له المسلسل من نقد حاد أتى نتيجة تقديمه شخصية “مبتذلة وركيكة عن محمود
دوريش وتصويره وكأنه زير نساء رغم انه معروف بأخلاقياته إلى جانب انه لا ينطق سوى بالشعر
ويفتقد الصلابة في الوقت الذي تدرس مواقفه في هذه المجالات”
.
ويقول الناقد السينمائي طارق الشناوي ان “مأساة المسلسل
ورفضه من قبل العالم العربي يأتي من كونه يتعرض لسيرة وشخصية محمود درويش (..) الشاعر
الذي لم يستطع الموت أن يقلص من حالة حضوره الشخصي، فهذا الشاعر يتمتع بحضور كبير على
صعيد عالمنا العربي واستطاع هو والشاعر السوري الراحل نزار قباني من بين الشعراء العرب،
الوصول إلى هذه المرتبة في العالم العربي“.
وأكد الشناوي أن “الفنان فراس إبراهيم الذي يقوم بدور
محمود درويش في المسلسل فشل على المستوى الشكلي والنفسي في أن يقترب من الحالة التي
يمثلها محمود دوريش . والمأزق الأكبر هو أن المشاهدين وضعوا فراس دائما في تلك المقارنة
من خلال الإحساس وطريقة أداء درويش لقصائده وأداء فراس (..) ولم تكن هذه المقارنة لمصلحته
ولا لمصلحة المسلسل بكل تأكيد” .
الناقد المصري محمد قناوي قال:وضعت مسلسل”في حضرة الغياب”
ضمن قائمة الأعمال الدرامية التي يحرص على متابعتها خلال زحام شهر رمضان لقيمة محمود
درويش كشاعر والحياة الاجتماعية والسياسية التي عاش فيها “لكن مع انتهاء الحلقة
الأولى أعترف أنني أصبت بصدمة كبيرة نتيجة الأحداث الملفقة والتمثيل المبالغ فيه حيث
بدا واضحا أن الصبغة التجارية أو الدواعي الدرامية فرضت نفسها على كاتب السيناريو” .
الكاتب اللبناني فادي عاكوم استنكر المستوى الذي ظهر عليه المسلسل في الحلقات
الأولى قائلاً :”لا اعتقد أن العمل أتى بالقيمة التي توقعناها رغم أن الكثير من
المشاركين فيه عايشوا محمود درويش خصوصاً الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة مشددا على
أن تقديم درويش بهذه الطريقة الـ “باهتة” تحط من قدره ومكانته ، وأن الممثل
الذي جسد شخصية درويش يشبه كل شيء إلا درويش ولو تم البحث لاختيار الشخص المناسب للعمل
سيجد صنّاعه أكثر من فنان أفضل“.
مسلسل “مهلهل“
الكاتبة الكويتية سعدية مفرح أكدت أنها كانت ضد تقديم مسلسل
عن محمود درويش بتلك السرعة كونه لازال حاضراً في الوجدان القومي والشعري والإنساني
حيث رحل قبل 3 سنوات فقط بينما هناك أسماء عدة كان يمكن تقديم أعمال عنها مثل أحمد
شوقي وأبي القاسم الشابي وحافظ إبراهيم ونازك الملائكة وأمل دنقل ممن لم يتحمس المنتج
لتقديمهم.
واعتبرت مفرح مستوى المسلسل “مهلهلاً” خاصة في حلقتيه
الأولى والثانية اللذان يوضحان أن العمل ضعيف ليس على صعيد الكتابة وحسب بل على صعيد
اختيار الممثلين والتصوير ورغم أن نجدة أنزور مخرج جيد لكن المسلسل لا يبدو جيدا على
الإطلاق ونستطيع بسهولة أن نقول إنه يهين محمود درويش بدلاً من تكريمه“.
مقرف وتجاري وانتهازي
ورفض مثقفون آخرون وقف عرض المسلسل مع الاعتراف بأنه سيء ومن
بينهم الكاتب والشاعر زكريا محمد والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي الذي أكد أن المسلسل
“مقزز من كل النواحي فهو مقرف وتجاري وانتهازي وركيك“.
ورفض البرغوثي دعوات المنع والمصادرة لأنها لا تليق بالإنسان
الحر وكما أدركتم أن المسلسل ساقط ثقوا بالناس التي ستشارككم الرأي حتما ولا تفرضوا
وصايتكم عليهم“.
واتخذ الشاعر غسان زقطان موقفاً وسطاً على صفحته في موقع فيسبوك
طالب فيها: “بوقف عرض المسلسل على الشاشات الفلسطينية لأنه من العبث أن يدفع المشاهد
الفلسطيني من ضرائبه وأمواله ثمن تشويه تراثه الوطني ومن يحب المسلسل يستطيع مشاهدته
على قنوات أخرى” .