جمع زافين الاثنين الماضي في برنامجه “سيرة وانفتحت” نخبة من المبدعين اللبنانيين. من الغناء إلى التمثيل إلى الرسم التخطيطي، مواهب وإبداعات متعددة، كلها كانت حاضرة في الاستديو لتقدم حلقة مميزة تحت عنوان “مبدعون من لبنان”.
الشابة نور طعمة التي ابتكرت فكرة “ارسم لي أغنية”، مغنية السوبرانو تانيا قسيس ونجم كورال الفيحاء معن زكريا اللذان قدما ترنيمة “Ave Maria “، وأيضا المخرج بهيج حجيج الذي جمع ابرز الفنانين اللبنانيين في فيلمه “شتي يا دني” وحصد عبره ثلاثة جوائز عالمية. جميعهم مبدعون لبنانيون رفعوا اسم لبنان عاليا ويستحقون التكريم.
مع نور طعمة الموهبة الفنية المميزة، افتتح زافين الحلقة، حيث عرّفنا على أعمال هذه الشابة الآتية من اختصاص ” الغرافيك ديزاين”. نور الحائزة على جائزة “Deutsche Bank Creative Award” الألمانية عن فكرتها “ارسم لي أغنية”، تحدثت عن تجربتها في فن “الغرافيك ديزاين” شارحة أنها عندما كانت تكمل دراستها في فرنسا، طُلب منها اختيار موضوع تسويقي لمشروع تخرجها يكون بمثابة مهنة أو فكرة فنية منتجة مادياً. ولأنها كانت منذ صغرها تحب الرسم وسماع الموسيقى، ولدت فكرتها صدفة: “وجدت نفسي ارسم واكتب كلمات الأغنية التي اسمعها في وقت واحد، بحيث ادخل الكلمات مع الرسوم والتعابير والرموز بطريقة مميزة وملفتة. ولما نالت الفكرة إعجاب الكثير من الناس، نفذت عدة أعمال وصممت موقعا خاصا على الانترنت أطلقت عليه اسم “ارسم لي أغنية” كما شاركت بهذه الفكرة في مسابقة Deutsche Bank Creative Award، وفزت فيها”.
من هنا كانت انطلاقة نور في هذه الأعمال المميزة التي جعلتها ترسم أجمل وأشهر الأغنيات الأجنبية والعربية بخطوط فنية مبتكرة. لقد أحبت نور رؤية الموسيقى ورؤية أغنياتها المفضلة على الورق، فكان لها ما أرادت، إذ لاقت فكرتها رواجا لدى جميع الناس، وخصوصاً لدى الفنانين أصحاب الأغنيات التي رسمتها والذين ابدوا تعاونهم وتشجيعهم لها. وقالت نور أنها لن تنسى حقوق الفنانين المادية والمعنوية، إذ أنها ستدفع لهم نسبة من مبيعات اللوحات التي تحمل أعمالهم.
من الرسم إلى الغناء، كان للبرنامج وقفة مع الفنانين المبدعين، تانيا قسيس ومعن زكريا اللذان سمح زافين لنفسه القول أنهما يملكان أجمل صوتين في لبنان.
تعرف الجمهور على تانيا ومعن لأول مرة في ذكرى 14 شباط عام 2009 يوم قدما ترنيمتهما الشهيرة “Ave Maria“ الإسلامية المسيحية بأدائهما المميز، ومنذ ذلك اليوم وهما يحصدان النجاح تلو الآخر.
عن ظروف هذه الأغنية تقول تانيا أنها كنت في باريس سنة 2009 يوم علمت أن هناك قرارا في لبنان يقضي بإعلان يوم 25 آذار، عيد بشارة السيدة العذراء، عيدا رسميا يوحّد المسيحيين والمسلمين، ولما كان للسيدة العذراء مكانة خاصة لدى تانيا، فكرت بإطلاق عمل مشترك يجمع الدينين، فقامت بدمج ترنيمة “Ave Maria” بالأذان وقدمت الفكرة إلى الإتحاد الثقافي اللبناني في فرنسا الذي نظّم لها حفلا في باريس لتفعيل الحوار المسيحي الإسلامي.
تقول تانيا: “لطالما كان صوت الأذان يذكرني بوطني، لان بيتي كان بين الجامع والكنيسة واعتدت على سماع دعوتهما للصلاة دائما. هذا الشعور ولّد لدي فكرة الأغنية التي حرصت أن يكون فيها صوت الأذان بشكل منفرد عبر كلمات “الله اكبر” التي يقبلها الدينين، وترتيلة العذراء التي تمثل رمزا مقدسا لدي. اخترت هذه الكلمات تجنبا لأي استفزاز أو التباس، واشكر الله أني نجحت”.
لاقت الترنيمة الجديدة صدى جيدا لدى جميع الناس، ونالت عليها تانيا تنويهات وجوائز عدة، كما فرحت تانيا جدا عندما علمت أن البابا بينيديكتوس السادس عشر أحب الفكرة وطلب نسخة من الترنيمة من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري.
وتضيف تانيا أن الأمر لم يخلُ من بعض الانتقادات إذ أن بعض الأوساط المسيحية انتقدت فكرة البدء بالآذان، بينما احتج بعض المسلمين على غنائه ودمجه مع أي موسيقى أخرى كونه من المقدسات.
أما عن مسيرتها الفنية فتقول تانيا أنها تحب النسق الكلاسيكي، وتحاول عبر الـ “سي دي” الذي أطلقته مؤخرا، إرضاء جميع الأذواق، وخصوصا انه يحمل باقة متنوعة من الأغنيات الأجنبية والعربية، التي تحاكي الذوق الرفيع. كما انه يحتوي على أغنيات أوبرالية بطريقة مبسطة قريبة من الجمهور.
تحب تانيا نقل الثقافة الفنية العربية إلى دول الغرب، ولهذا هي في سفر دائم، تحيي الحفلات وتشارك في المهرجانات الدولية وتحصد النجاحات والجوائز.
أما بالنسبة لمعن زكريا، فكانت شهادة تانيا بصوته مجروحة لأنها تجد فيه أجمل أداء وإحساس، وهذا ما دفعها لمشاركته في الغناء في ترتيلة “Ave Maria“، وبالتنسيق مع مايسترو فرقة الفيحاء باركيف تسلاكيان.
يقول معن انه سعيد جدا بما يحققه، عبر غنائه المنفرد في كورال الفيحاء من جهة ومشاركته الغناء مع تانيا من جهة أخرى، لأنه يحقق ذاته عبر هذا النوع من الغناء الذي يحب.
معن الذي يعشق تأدية الأذان بصوته، يحب الغناء الشرقي الأصيل، واستعادة الأغنيات القديمة ذات الطابع التراثي كالقدود والنسق الأندلسي وغيرها… لم يكن معن يهتم بصوته كثيرا، ولكن بعد أن حقق نجاحا جماهيريا ملفتا بات يشعر بمسؤولية أكبر تجاه صوته وفنه، وهو يدعم موهبته هذه عبر تلقي دروس خصوصية على يد مايسترو فرقة الفيحاء.
وفي ختام الحديث، سأل زافين النجمين الصاعدين مع من يطمحان أن يغنيا، فأعربت تانيا عن رغبتها بأن تغني مع كاظم الساهر فيما تكلّم معن عن حلمه بالغناء مع السيدة ماجدة الرومي أو حتى أن يغني بالقرب منها.
النصف الثاني من الحلقة كان مع المخرج بهيج حجيج، بمناسبة بدء عرض فيلمه “شتي يا دني” الذي شارك فيه ابرز الممثلين اللبنانيين والذي بسببه أطلق زافين حملة استفتاء، على موقع البرنامج www.zavenonline.com تحت شعار: “من تفوق على من”؟ يدعو فيها جميع المشاهدين للمشاركة في التصويت والمقارنة بين أداء الممثلتين اللبنانيتين كارمن لبس وجوليا قصار، اللتان تجتمعان لأول مرة في عمل واحد.
حصد حجيج عن فيلمه هذا ثلاث جوائز عالمية خلال شهرين فقط. إذ فاز بجائزة “اللؤلؤة السوداء” لأفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي في الدورة الرابعة من مهرجان ابو ظبي السينمائي، وبجائزة أفضل مخرج في مهرجان وهران الدولي الرابع للفيلم العربي، كما فاز بطل الفيلم الممثل حسان مراد، بجائزة أفضل ممثل في المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلة في بروكسيل.
يعالج الفيلم قصة اجتماعية تحكي معاناة شخص عاد إلى عائلته بعد فترة خطف دامت عشرين عاما. الفيلم الذي جمع أهم الوجوه الفنية النسائية اللبنانية أمثال كارمن لبس، جوليا قصار، عايدة صبرا، برناديت حديب وغيرهن، كان بمثابة تحية للمرأة في عيدها كما قال حجيج. فهو أعطى للمرأة دور أساسي في فيلمه كما حاول اكتشاف مواهب العديد من الممثلين المميزين كالفنان حسان مراد الذي أبدع في أدائه.
وعن ادوار كل من كارمن وجوليا في الفيلم، قال حجيج انه عرض الدور على كلتيهما في البداية وقد اختارت كل منهما الدور الذي كان رسمه لها المخرج. وأضاف حجيج أن جوليا أبدعت بدور الأم والمرأة الديناميكية التي تعرف كيف توفّق بين حياتها وعائلتها رغم غياب الزوج والأب. أما كارمن فبرزت بتمثيل دور المرأة المنطوية على نفسها التي تنتظر زوجها المخطوف منذ سنين عدة، فهي كما يقول حجيج لها خبرة غريزية في مجال التمثيل وأداء أهم التعابير والأحاسيس.
قال حجيج ان كل من الممثلتين أتت من مدرسة مختلفة وأدتا دوريهما بإتقان. أما بالنسبة لباقي الممثلين، فلم يكونوا اقل شأنا إن من حيث التمثيل أو من حيث الأداء مما أوصل الفيلم إلى حصد الجوائز العالمية وإبراز موهبة حجيج في الإخراج.
لم يتناول فيلم حجيج موضوع الحرب كما يظن البعض، بل تناول قضية الإنسان
وآثار الحرب عليه. ويقول حجيج لكل من ينتقد فكرة تناول الحرب اللبنانية في الأفلام، أن هذا النوع من الأفلام الجدية هي التي تترك أثراً في تاريخ السينما وهو لا يستطيع التنكر من ذاته وتاريخه: “الحرب مسكونة فينا، نحن لسنا غرباء عن لحظتنا وماضينا، لدينا روابط وجذور متينة مع ذاكرتنا وتاريخنا. لا يمكننا محو كل هذه السنين بلحظة وبطريقة اعتباطية. فالفنانون والسينمائيون والكتاب والشعراء عندما يريدون تقديم عمل جدي يعودون إلى ذاكرتهم”.
خلال الحلقة أيضا، طرح زافين على ضيفه أسئلة وهواجس عدة عن الفيلم والإنتاج والتمثيل والمخطوفين، كما تلقى العديد من الاتصالات التي أشادت بالفيلم كعمل لبناني ذو قيمة فنية مميزة، يعيد للسينما اللبنانية مجدها.